يشهد العالَم تحوُّلاً جوهرياً في طبيعة الصّراعات والتنافس بين القوى الكبرى؛ حيث ينتقل من مرحلة التَّنافُس الجيوسياسي إلى التَّنافُس الجيواقتصادي. فلم يَعُد الصراع يدور حول السيطرة العسكرية أو التحالفات السياسيَّة فحسب، بل أصبح يَدُور بشكلٍ أكبر حول السيطرة على الموارد الاقتصاديَّة، والتكنولوجيا، والممرَّات التجارية الحيويَّة. وهو ما قد يحمل في طيَّاته إيجابيات عديدة للعالَم.
نموذج التنافُس الأمريكي الصيني يعكس هذه الحِقْبَة الجديدة. فبينما شهدت فترة الحرب الباردة صراعات كادت أن تُؤدِّي إلى مواجهات مباشرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي؛ يتَّخذ الصراع الحالي طابعاً اقتصادياً يتمحور حول التكنولوجيا، والسيطرة على سلاسل التوريد، والتفوُّق في مجالات الذكاء الاصطناعي والطَّاقة النَّظيفة. هذا النَّوع من التنافُس يخلق فرصاً لتطوير البِنْيَة التَّحتيَّة، ويُعزِّز الابتكار، ويدفع الدُّوَل إلى تحسين اقتصاداتها لتعزيز مواقعها في النظام الدولي.
الشَّرق الأوسط ليس بمنأى عن هذا التَّحوُّل. بل إنه في قلب التنافس الجيواقتصادي العالَمي؛ نظراً لموقعه الإستراتيجيّ وثرواته الهائلة من النفط والغاز، واحتضانه لممرَّات بحرية وجغرافيَّة حيويَّة مثل قناة السويس والخليج العربي. هذا التنافس يمكن أن ينعكس إيجاباً على التنمية الاقتصاديَّة في المنطقة، ويُوفِّر فُرَصاً جديدة للنُّموّ والاستقرار.
بالنسبة لسوريا، التي تُشكِّل مَعْبراً إستراتيجياً يربط بين آسيا وأوروبا، يمكن أن يكون التنافس الجيواقتصادي فرصةً لإعادة الإعمار وجَذْب الاستثمارات. سوريا تمتلك موقعاً استراتيجياً يَجْعلها جزءاً من شبكة أنابيب النفط والغاز، كما أنها قد تُصبح محطَّة عبور مُهمَّة في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية. ولذا فإنّ التنافس الدولي على بناء البِنْيَة التَّحتيَّة في سوريا، بما في ذلك الطرق والموانئ ومحطات الطاقة، قد يكون مُحرِّكاً رئيساً في إعادة بناء البلاد وإنعاش اقتصادها.
هذه الفُرَص لن تتحقَّق إلَّا إذا تمكَّنت سوريا من تحقيق استقرار سياسيّ وأمنيّ يَضمن بيئة استثمارية مُواتية. فالتنافس الجيواقتصادي يتطلَّب دُولاً مستقرَّة ذات مُؤسَّسات قويَّة قادرة على الاستفادة من الاستثمارات الأجنبيَّة، وهو ما يجعل تحقيق السَّلام وإطلاق مشاريع التنمية الاقتصادية ضرورة مُلِحَّة.