شَارِك المَقَال

شهدت الليرة السورية في الأشهر الأخيرة تحسنًا نسبيًّا، بلغ نحو 30% في سعر صرفها. وعلى الرغم من هذا التحسُّن الظاهري، لا تزال الليرة تعاني من تذبذب كبير بين الصعود والهبوط، ما يُؤثِّر سلبًا على قرارات الأفراد والمستثمرين، ويعوق إمكانية التخطيط المالي طويل الأمد.

في ظل هذا الواقع، برز مجددًا الطرح القديم المتجدد: لماذا لا يتم اعتماد الدولار كعملة رئيسية في التداول داخل سوريا؟ وهل يمكن تثبيت سعر الليرة بهذه الطريقة؟ هذا السؤال يبدو منطقيًّا من الناحية النظرية، خصوصًا في ظل وجود تجارب مشابهة في دول انهارت فيها العملة الوطنية، لكن الحالة السورية تفرض تعقيدات تجعل هذا الخيار محفوفًا بالمخاطر.

 

نُدْرة الدولار وأزمة التوريد
بعض الدول مثل لبنان والإكوادور وبنما اعتمدت الدولار في معاملاتها الداخلية؛ نتيجةً لانهيار العملة المحلية، وغياب الثقة بها. لكن في تلك الدول، كان هناك حدّ أدنى من تدفُّق الدولار إلى السوق، سواء من السياحة، أو التحويلات الخارجية، أو حتى الدعم الدولي. أما في سوريا، فالوضع مختلف كليًّا. فالسوق المحلية لا تملك ما يكفي من الدولار لضمان حركة التداول اليومية، بل تشير التقديرات إلى أن اعتماد الدولار يتطلب ضخّ ما يزيد عن مليار دولار، لتأمين السيولة النقدية اليومية في الأسواق، وهذا الرقم غير متوفّر في ظل العقوبات، وانخفاض الصادرات، وتراجع التحويلات، وغياب السياحة.

إضافة إلى ذلك، فإن استمرار التداول بالدولار يحتاج إلى موارد متجدّدة تُغذّي السوق باستمرار، وهذا يتطلب وجود إنتاج وتصدير فعَّال قادر على تعويض الفاقد، وهو أمر غير مُتحقّق حاليًّا بسبب تعطُّل الإنتاج، وصعوبة التصدير.

 

بيئة غير مهيَّأة للتداول بالدولار
من الناحية الفنية، تُواجه الدولرة في سوريا عقبات عديدة على مستوى البنية التحتية النقدية؛ لأن فئات الدولار المتوفّرة في السوق تتركز غالبًا في فئة 100 دولار، بينما التعامل اليومي يتطلب فئات أصغر مثل 10 و20 دولار، وهي غير متوفرة أو نادرة، ما يُصعّب عمليات البيع والشراء اليومية. إلى جانب ذلك، هناك انتشار واسع للدولار المزوّر في السوق، وغياب رقابة فعّالة على مهنة الصرافة، ما يجعل الثقة بالتعامل النقدي منخفضة، ويُعرِّض التجار والمواطنين لخطر الخسارة أو التلاعب. كما أن غياب نظام مصرفي متكامل يُتيح التحويلات الرقمية والتحكم بالسيولة، يُعمِّق الفوضى ويزيد من الاعتماد على السوق السوداء. وبالتالي، يُعدّ إدخال الدولار كعملة تداول في بيئة غير منظمة، قد يزيد الفوضى بدلًا من ضبطها.

 

الدولرة والتضخم المستورد
الأخطر من ذلك كله أن الدولرة قد تُؤثّر سلبًا على السياسات الاقتصادية والنقدية للحكومة؛ لأن اعتماد عملات أجنبية في التداول قد يجعل الاقتصاد الوطني عُرْضة للتأثر بالخارج.
وعلى سبيل المثال، فإذا قررت واشنطن رفع سعر الفائدة، سينكمش الاقتصاد الأمريكي، ونتيجة استخدام الدولار في التداول، من المتوقع أن ينكمش أيضًا الاقتصاد السوري، وإذا شهد الدولار تضخُّمًا، سينتقل التضخم من خلال الدولار إلى الاقتصاد الوطني.

وهذا الأمر كان واضحًا في الشمال السوري قبل عدة سنوات، وذلك بعد اعتماد الليرة التركية في التداول؛ حيث انتقل التضخم التركي إلى الداخل السوري، وأصبحت الأسعار تتغير بتغيُّر سعر الفائدة في أنقرة. ولذا فإن اعتماد الدولار في سوريا لا يعني فقط تغيير وسيلة الدفع، بل يعني فقدان السيطرة على الاقتصاد بالكامل.

 

شَارِك المَقَال



المنشورات ذات الصلة