شَارِك المَقَال

العمل الخيريّ يُعدّ مقياساً لإنسانيَّة وتقدُّم المجتمعات، وفاعليَّة هذا العمل لا تُحدَّد بقيمة الأموال المجموعة والمُنْفَقَة، بل من خلال الأثر الذي تُحقِّقه على الأرض، ولتحقيق الهدف من التبرُّعات الخيرية لا بُدَّ من تنظيمها؛ بحيث تتمّ وَفْق قنوات واضحة، وإلَّا سادت الفوضى وفقَد هذا المجال فاعليته، وتحوَّل إلى عِبْء ماليّ على المُتبرّعين وعلى المجتمع ككل.

 

الواقع الحالي لقطاع التبرُّعات والعمل الخيري يغلب عليه الفوضى؛ فالمُنظَّمات الإنسانيَّة والجمعيَّات الخيرية تعمل بشكلٍ مستقلّ، دون تنسيق مع المنظَّمات الأخرى، فالدَّعم يتكرَّر لقطاعاتٍ ولمناطق جغرافية معيَّنة مع حرمان أخرى، والسبب عدم وجود هيئات حكوميَّة تُراقِب، وغياب القوانين النَّاظمة لهذا العمل.

 

خلال سنوات الثورة السورية، تمَّ جَمْع تبرُّعات بملايين الدولارات سنوياً، هذه المبالغ كان يمكن أن تسبّب تغييراً جذرياً في حياة النَّازحين؛ لو تمَّ تنظيمها بشكلٍ جيّد.

حالياً يُفتَرض الاستفادة من أخطاء الماضي وعدم تكرارها؛ فلا يجوز صَرْف التَّبرُّعات وَفْق قناعات وآراء القائمين على هذه المنظَّمات، بل وفق نظام واضح.

 

تنظيم العمل الخيريّ يحتاج لمؤتمر وطنيّ يجمع مختلف المنظَّمات العاملة في هذا المجال؛ بحيث يتم وَضْع قواعد ناظمة، وتوزيع قطاعات العمل، بمعنى أن يتمّ تَرخيص العمل الخيريّ وَفْق قطاعات مُحدَّدة؛ فهناك مُنظَّمات مُوجَّهة لدعم الأيتام، وأخرى لكبار السنّ، وغيرها لذوي الاحتياجات الخاصَّة، وهذا التَّنظيم يَحُول دون الفوضى وتكرار الدَّعْم لشرائح مُحدَّدة وحرمان أخرى.

 

للمنظمات الإنسانيَّة دَوْر في دَعْم الدولة في مجال تقديم الخدمات الأساسية؛ من خلال تأهيل المرافق الحيوية، مثل محطات المياه والمدارس والمستشفيات، والمنفعة هنا تُعدّ أشمل وأعمّ، فليس من الضروريّ انتظار الدولة لتأهيل كل هذه المرافق.

 

هناك العديد من الأمثلة عن منظَّمات لعبت دوراً في دَعْم الدُّوَل في مجال تأهيل المرافق العامَّة. فعلى سبيل المثال: منظَّمة أطبّاء بلا حدود أسَّست ورمَّمت مستشفيات في هاييتي واليمن وإفريقيا الوسطى، وجمعية الصليب الأحمر السويسرية رمَّمت شبكات الرّيّ والشُّرب في العديد من الدول الإفريقية، وغيرها من المنظَّمات لها جهود في دَعْم وتأهيل المرافق العامَّة.

 

تنظيم التبرُّعات لا يعني فقط أن تتمّ عبر آليَّات مُحدَّدة بإشراف مُنظَّمات أو جمعيات خيريَّة، بل يعني أيضاً أن يكون عمل هذه المنظَّمات تحت إشراف مُؤسَّسات الدولة، والتي تُحدِّد قنوات جَمْع التبرُّعات وأَوْجُه ومسارات إنفاقها.

 

تنظيم العمل الخيري والإغاثيّ يُسهم في خَلْق قيمة اقتصادية مضافة على عكس العمل العشوائي، خاصةً في حال تمَّ توجيهه لتأهيل المرافق العامَّة؛ فهذا الأمر يُسهم في تعزيز المُؤشّرات الاقتصادية والاجتماعية، مثل زيادة الناتج المحلي الإجماليّ، وتوفير فُرَص عمل؛ ما ينعكس إيجاباً على الدولة والمجتمع بشكلٍ عامّ، ويُحقِّق الجوهر الحقيقي للعمل الخيري.

 

دُوَل عديدة تَعتمد على العمل الخيريّ المُنظَّم في دَعْم الاقتصاد؛ ففي إثيوبيا -على سبيل المثال- أسهمت المنظمات الإنسانية في تأهيل شبكات الرّي، ما أدَّى إلى زيادة الإنتاج الزراعي بنسبة 20%. وفي إندونيسيا دعَّمت المنظمات الإنسانية الإنفاق على تطوير أنظمة الكشف المبكّر عن الكوارث الطبيعية، ما أدَّى إلى تقليل الخسائر بنسبة 25%، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3%.

 

شَارِك المَقَال