شَارِك المَقَال

في ظل التحدّيات الاقتصادية التي تُواجه سوريا، يظهر الحديث عن الخصخصة كأحد الخيارات المطروحة لتعزيز الكفاءة الاقتصادية. والخصخصة من حيث المبدأ هي أداة اقتصادية تُتيح للدولة الاستفادة من مرونة القطاع الخاص في الإدارة والتشغيل؛ من خلال خصخصة بعض القطاعات المملوكة للدولة؛ بحيث يمكن تحسين الخدمات وزيادة الإنتاجية، شريطةَ أن تُطبَّق بأسلوبٍ يضمن التوازن بين مصلحة الدولة والمستثمرين.

 

في سوريا، تُعدّ الخصخصة أداةً ضروريةً في بعض القطاعات التي تعاني من ضعف الأداء؛ فيمكن للقطاع الخاص أن يُسهم في إدارة قطاعات مثل النقل أو الاتصالات؛ حيث تُتيح مرونة القطاع الخاص القدرة على إدخال التقنيات الحديثة، وتحسين الخدمات المقدَّمة، وزيادة الأرباح التي تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني. ومع ذلك، يجب أن تظل القطاعات الحيوية مثل الصحة، التعليم، والمياه تحت إشراف الدولة؛ لضمان الوصول العادل إلى هذه الخدمات.

 

في كثيرٍ من الدول النامية، لم تَحْظَ الخصخصة بسُمْعة جيدة؛ نتيجةَ تطبيقها بشكل غير عادل؛ حيث استفاد المستثمرون على حساب الدولة والمجتمع. لذلك لا بد من دراسة العديد من التجارب الدولية والاستفادة من إيجابياتها والابتعاد عن سلبياتها.

 

نجاح الخصخصة يعتمد بشكلٍ رئيس على كيفية تنفيذها؛ فهي سلاح ذو حدين: إذا طُبِّقت بشكلٍ شفَّاف ومدروس، يمكن أن تُعزِّز الاقتصاد السوري. على سبيل المثال، عندما قامت بعض الدول بخصخصة قطاعات مثل الاتصالات والطاقة بطريقة منظَّمة، شهدت تلك القطاعات طفرةً في الإنتاجية والجودة. تجربة تشيلي في خصخصة الاتصالات تُظهر أن التنفيذ المدروس يؤدّي إلى تحسين الخدمات وزيادة العوائد، مع تحقيق مصلحة الدولة والمستثمرين على حدّ سواء.

 

وعلى النقيض؛ فإن سوء تنفيذ الخصخصة قد يُنْهِك الدولة بدلًا من أن يدعمها، وتجربة روسيا في تسعينيات القرن الماضي هي نموذج لتحوُّل الخصخصة إلى وسيلة للفساد؛ فالاستيلاء على أصول الدولة مِن قِبَل فئة محدودة أدَّى إلى ترك الاقتصاد في حالة من الفوضى؛ حيث استفاد المستثمرون القريبون من السلطة على حساب عامة الشَّعب.

 

الخصخصة ليست حلًّا سحريًّا، لكنَّها أداة يمكن أن تُسهم في تحقيق قفزة نوعية في الاقتصاد السوري إذا ما استُخْدِمَت بشكلٍ صحيح. فالعبرة ليست في الخصخصة بحدّ ذاتها، بل في كيفية تنفيذها بطريقة تُعزِّز من تطوُّر الاقتصاد، وتضمن حقوق الدولة والمواطنين على حدّ سواء. سوريا بحاجة إلى خُطَط مدروسة تنقلها من البيروقراطية الثقيلة إلى كفاءة ومرونة القطاع الخاص، دون الوقوع في فخّ الفساد أو الإضرار بالمصالح الوطنية.

شَارِك المَقَال