في ظلّ التَّحدّيات الاقتصادية التي تُواجهها سوريا اليوم، يُصبح دَور الدولة في الإشراف على الأداء الاقتصادي ضرورةً لا غِنَى عنها. الاقتصاد، بطبيعته المعقَّدة، لا يمكن أن يُترَك لقُوى السوق وَحْدها؛ حيث أثبتت التجارب أنَّ نظرية آدم سميث “اليد الخفية”، التي تقوم على فكرة أنّ السوق يُصْلِح نفسه بنفسه دون تدخُّل، ليست قابلة للتطبيق.
حتى أكثر الدول الرأسمالية التي قامت على مبادئ الحرية الاقتصادية المطلقة تراجعت عن هذا النهج، وأصبحت تعتمد على مزيجٍ من قُوى السوق وتدخُّل الدولة لتحقيق التوازن والاستقرار.
الولايات المتحدة، التي تُعدّ رمزاً للحرية الاقتصادية، قدَّمت درساً واضحاً في أهمية تدخُّل الدولة. فعلى الرّغم من دفاعها المستمرّ عن حرية التجارة الدولية، اضطرت إلى فَرْض رسوم جمركية على المنتجات الصينية لحماية مُنتجيها المحليين من السِّلع الصينية. هذه الإجراءات تُثْبت أن الأسواق الحُرَّة، عندما تُتْرَك دون توجيه، قد تتسبَّب في ضرر للاقتصاد الوطني، وتُضْعِف قطاعات إنتاجية حيوية.
في السياق السوري، الحاجة إلى تدخُّل الدولة في الاقتصاد أكثر إلحاحاً. غياب الرقابة والتوجيه قد يفتح المجال لاحتكار القلة؛ حيث تسيطر مجموعة صغيرة من الفاعلين على السوق؛ مما يؤدّي إلى تعطيل الإنتاج وارتفاع الأسعار، فيضرّ بالمستهلكين ويُعمّق الأزمات الاقتصادية. من واجب الدولة رسم السياسات الاقتصادية العامة التي تراعي الاحتياجات الوطنية، وضمان تنفيذها بشكلٍ فعَّال، مع الحفاظ على التوازن بين تعزيز الإنتاج المحليّ وتأمين احتياجات السوق من الواردات.
دور الدولة لا يقتصر على حماية المنتجين المحليين، بل يشمل أيضاً تنظيم الأسواق لمنع الفساد والاستغلال. يجب أن تعمل الدولة على توفير بيئة اقتصادية عادلة تُشجِّع الاستثمار، وتُعزّز المنافسة، وتَحُدّ من الاحتكار. بدون تدخُّل مدروس وفعَّال، يُصبح الاقتصاد عُرضة للتقلُّبات والفوضى، مما يؤدّي إلى زعزعة استقراره وتراجُع التنمية.
الخصخصة في سوريا قد تكون ضروريةً وحلاً لمشكلات بعض المؤسسات العامة، لكنْ شريطة ألا تكون خصخصة للدولة ككل، فبعض المؤسسات لا بد أن تبقى بيد الدولة، كما أن أداء مؤسسات القطاع الخاص يجب أن تكون تحت الإشراف الحكومي.
الأزمة المالية الآسيوية التي حدثت في دُول جنوب شرق آسيا في نهاية القرن الفائت تعود في بعض أسبابها لترك مؤسسات القطاع الخاص تعمل بحرية مطلقة دون إشراف من الحكومات. وعقب هذه الأزمة عادت الحكومات للإشراف على الأداء، وخاصةً المالي. وهذا ما يجب إسقاطه على سورية لتجنُّب الأزمات الاقتصادية في مرحلةٍ بالغة الحساسية.