شَارِك المَقَال

في عالَمٍ تَحكمه مصالح القوى الكبرى، لا تعيش الدول الإقليمية في عُزلةٍ عن هذه الصراعات، بل غالبًا ما تكون ورقة تفاوض بين الأقطاب الدولية. والتاريخ يؤكد أنّ الدول التي تفشل في قراءة المتغيرات الدولية، وتتمسك بمواقف عدائية تجاه محيطها؛ تكون الأكثر عُرضة للسقوط.

إيران اليوم تُمثّل نموذجًا واضحًا لهذا المسار، فقد تبنَّت عداءً واضحًا لمحيطها العربي، وأسَّست مشروعها على أدوات خارجية ضعيفة، دون أن تُدرك أن الصراع بين الغرب وروسيا، قد يجعل منها مجرد بَنْد في صفقة سياسية كبرى.

 

الرهان على الحلفاء الضعفاء، والإصرار على خطاب المواجهة، دون قدرة اقتصادية أو غطاء دولي حقيقي، جعل طهران في موقف هشّ، عاجزة عن الصمود أمام الضغط الدولي، ومهدَّدة داخليًّا بانفجار شعبي؛ نتيجة الفقر والانهيار الاقتصادي.

 

إيران في أضعف حالاتها منذ عقود
تُواجه إيران اليوم تحديات مُركَّبة غير مسبوقة؛ داخليًّا وخارجيًّا. أما على المستوى الخارجي، فقد خسرت طهران أبرز أدواتها الإقليمية التي استخدمتها لعقودٍ أدوات ضَغْط في المنطقة؛ فسقوط نظام بشار المجرم كان الضربة الأهم؛ لأن النظام كان ممرًّا لتهريب السلاح والمخدرات، وأداة تفاوض في وجه دول الخليج والغرب. وكذلك، تعرَّض “حزب الله” لهزائم قاسية، وضعفت قدراته العسكرية والسياسية، وتراجعت مكانته في لبنان. وعلى الجانب الآخر، تلقَّت “ميليشيا الحوثي” ضربات مركّزة. هذه الخسائر جعلت إيران شبه معزولة إقليميًّا، فاقدة لأغلب أوراقها.

 

أزمة اقتصادية وشعبية خانقة
في الداخل، تعاني إيران من أزمات اقتصادية واجتماعية حادةَّ. معدل التضخم تجاوز 50%، والبطالة وصلت إلى 30%، أكثر من 28 مليون إيراني تحت خط الفقر، بينهم 22 مليون شاب عاطل عن العمل. الخسائر الاقتصادية نتيجة العقوبات تجاوزت 1,7 تريليون دولار. هذه الظروف تسبَّبت في تفكك اجتماعي متصاعد، ومعدلات الطلاق بلغت 50%. بل حتى شعارات النظام الثورية لم تَعُد تُقنع الشعب؛ حيث رفعت المظاهرات شعارات: “الخبز أهم من العقيدة الثورية”. هذه المؤشرات تُنْذر بإمكانية حدوث ثورة أو انقلاب داخلي في حال استمرار الضغط.

 

التهديد العسكري والبدائل الدبلوماسية
الظرف الحالي يُعدّ مثاليًّا من وجهة نظر إسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية شاملة لإيران، تستهدف برنامجها النووي ومنظومتها الصاروخية، وربما تغيير النظام بالكامل. ومع انشغال روسيا بأوكرانيا، فإن موسكو قد لا تمانع هكذا ضربة، خصوصًا إذا كانت جزءًا من صفقة كبرى تتعلق بتسوية الحرب الأوكرانية.

 

في المقابل، يظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمقاربة مختلفة؛ إذ يُفضّل التفاوض على أُسس جديدة كليًّا، تشمل تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، ونقله إلى الخارج، وفق “النموذج الليبي”، مقابل رفع العقوبات. كما تشمل الشروط تفكيك الحرس الثوري، وإيقاف تطوير الصواريخ بعيدة المدى، ونزع سلاح حزب الله والحوثيين، وتغيير الخطاب الرسمي الذي يعادي أمريكا وإسرائيل. هذه التسوية تُجرِّد إيران من كل أدواتها الإقليمية وتُحوِّلها إلى دولة منزوعة التأثير السياسي.

 

نهاية الدور الإقليمي… وسقوط المحتوى العقائدي
في حال قبول إيران بهذه الشروط، سواء عبر المسار الدبلوماسي أو بعد ضربة عسكرية؛ فإن النظام الإيراني سيخسر مُبرِّر وجوده العقائدي؛ إذ إن خطاب “الموت لأمريكا” و”المقاومة” شكَّل لسنواتٍ أساس شرعيته، والتخلي عنه يعني فراغًا في الهوية السياسية للنظام.

 

من جهة أخرى، إيران كانت تعتقد أنها حليف رئيسي لروسيا والصين، لكنها تكتشف تدريجيًّا أنها كانت مجرد أداة تفاوض ومساومة، كما حصل مع أوكرانيا. فقد ظنت “كييف” أنها شريك إستراتيجي للغرب، لكنها وُضِعَت في الصفوف الأمامية دون ضمانات حقيقية.
اليوم، إيران تمر بنفس الخطأ الإستراتيجي؛ إذ خسرت حلفاءها واحدًا تلو الآخر، ولم يبقَ لها سوى مواجهة مصيرها منفردة، بين ضغوط الداخل وخيارات الخارج.

 

شَارِك المَقَال



المنشورات ذات الصلة