شَارِك المَقَال

بصفة عامة أسعار النفط تتأثر بمجموعة من العوامل. لكنها في أغلب الأحيان تستجيب بشكل خاص للقرارات المتعلقة بالإنتاج. والذي اتخذته منظمة “أوبك” الدول المصدرة للنفط وكأي منتج تؤثر قوانين العرض والطلب على أسعاره. والسؤال هنا: أسعار النفط إلى أين؟

 

ما أسباب تذبذب أسعار النفط؟

في الحقيقة أدى الخلط بين الطلب المستقر والعرض المفرط للضغط على أسعار النفط على مدى السنوات الخمس الماضية. وهذه بداية التأثر. ثم تأتي الكوارث الطبيعية والتي يمكن أن تعطل الإنتاج. وكذلك الاضطرابات السياسية في البلاد المنتجة للنفط.

 

وكذلك تكاليف الإنتاج -سواءً ارتفعت أو انخفضت- تؤثر على أسعار النفط بطريقة مطردة. علاوةً على جانب السعة التخزينية التي تحرك الأسعار على الرغم من كونه أقل تأثيراً. ولكن يمكن أن يؤثر اتجاه أسعار الفائدة أيضاً على أسعار النفط.

 

في الواقع تلعب منظمة أوبك دوراً مهماً. لأنها تؤثر على الأسعار بطريقة مباشرة. فهي المؤثر الرئيس للتقلبات في أسعار النفط. خاصةً أنها تسيطر على 40٪ من إمدادات العالم من النفط. ويتأثر سعر النفط والغاز عن طريق زيادة أو خفض الإنتاج.

 

كانت أوبك تتعهد ببقاء سعر النفط فوق 100$ للبرميل. وذلك بحلول عام 2020م. ولكن ما حدث في منتصف 2014م. بدأ سعر النفط في الانخفاض حتى وصل لأقل من 50$. وكانت أوبك السبب الرئيس لذلك برفضها خفض الإنتاج.

 

بطبيعة الحال مع أي سلعة أو أسهم أو سندات فإن الأسعار تتغير طبقاً لقوانين العرض والطلب. وكذلك مع النفط فعندما يتجاوز العرض الطلب فإن الأسعار تسارع في الانخفاض. بسبب فائض المعروض من النفط مما يؤدي لانخفاض أسعار النفط بشكل حاد.

 

لماذا تتقلب أسعار النفط؟

بصورة شاملة إن الكوارث الطبيعية تعد عاملاً يتسبب في تقلب أسعار النفط كما حدث في إعصار كاترينا بأمريكا. والذي أدى لارتفاع سعر البرميل 3$ فوق سعره. والآن يتحكم فيروس كورونا في انخفاض الأسعار مرة ثانية. ولكنها تعد الأخطر في تاريخها.

 

كما أن تكاليف الإنتاج قد تتسبب في ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط. مع العلم بأن استخراج النفط في الشرق الأوسط يعد رخيصاً نسبياً. مقارنةً بسعر استخراجه مثلاً بكندا. فيعد أكثر تكلفة. وإذا نفد النفط الرخيص فسيتجه العالم إلى الأغلى بدون شك.

 

من جهة أخرى فإن الإنتاج الأمريكي يؤثر بشكل مباشر على سعر النفط العالمي. وهي بين الصعود والهبوط. لكنها تقع على محك المنافسة الضارية مع إنتاج النفط في الشرق الأوسط. والذي يؤثر بشكل ملحوظ على الأسعار ويجعلها في حالة عدم استقرار.

 

تأتي المخاوف المستمرة من انخفاض تخزين النفط والذي يؤثر على مستوى الاستثمارات في صناعة النفط. كما أن تباطؤ الإنتاج سيقلل من فرص وصول تخزين النفط إلى حدوده. مما يساعد المستثمرين على التخلص من مخاوفهم من العرض الزائد.

 

الحقيقة الكبرى أنه ينظر إلى أوبك على أنها المحرّك الأكثر نفوذاً في تقلبات أسعار النفط. مع الأخذ في الاعتبار عوامل العرض والطلب الأساسية. وتكاليف الإنتاج. والاضطرابات السياسية. وحتى أسعار الفائدة. والتي تحرك أسعار النفط.

 

الواقع المنظور حالياً أن السعودية ونظيراتها في مجلس التعاون الخليجي كانوا هم الأكثر تضرراً من حالة الفوضى في أسواق الطاقة وانخفاض أسعار النفط. حتى إن الأخبار تتناول انهيار البورصات بمعدل 10% بطريقة مباشرة.

 

ما أهم آثار فوضى أسعار النفط؟

في جهة أخرى تتناول الصحف أثر فوضى الأسعار للنفط. حتى قيل إن الكويت اضطرت إلى وقف التعامل في بورصتها. وعلى نفس الشاكلة فإن بورصة قطر قد عانت من أكبر انخفاض في يوم واحد في تاريخها من أثر فوضى أسعار النفط وانخفاضها.

 

في نفس الوقت أخذت أسهم الكويت وأبوظبى في الانهيار بعدما فشل اتفاق خفض المعروض النفطي بين الأوبك وروسيا. خاصةً بعدما وصلت أسعار النفط لانخفاض شديد للمرة الأولى في تاريخها. مما يؤثر بطريقة مباشرة على اقتصاد دول الخليج.

 

كما تشير كل التقارير إلى أن دول أوبك تفقد 500 مليون دولار يومياً بفعل انهيار سعر النفط. وأنه في ظل فقد النفط أكثر من ثلث قيمته بين عشية وضحاها بعد انهيار التحالف لمنظمة أوبك. فإن الدول الأعضاء في أوبك تنزف بسبب فاقد الإيرادات.

 

في الحقيقة إن النفط يتصدر قائمة مصادر الدخل بالنسبة لأعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول الأوبك. وإذا استمر هذا النزيف الحاد في الأسعار فسيعتبر ضغطاً قوياً على اقتصاداتها. مما ينذر بأن بعض هذه الدول على حافة الانهيار.

 

ونتيجة لذلك فقد خسرت العقود الآجلة لخام برنت خسارة كبيرة بنحو 31% لتسجل 31.02 دولار حالياً. وهو أدنى مستوى منذ 2016م. وبهذا تكون الأسعار قد تراجعت حوالي 20 دولاراً للبرميل. مما يُفقِد أوبك ما يقرب من نصف مليون دولار يومياً.

 

مما هو معروف فإن “أوبك” كانت تجهّز لمزيد من التخفيض للإنتاج داخل المنظمة. ولكن هذا المقترح كان مرفوضاً من روسيا الحليفة للمنظمة. مما أدى إلى انهيار التحالف. وأعقب ذلك حرب أسعار معلن على الحصص التسويقية.

 

من ناحية أخرى تُعد المملكة العربية السعودية من أغنى أعضاء منظمة “الأوبك”. وكانت أسعار النفط قبل انهيارها تحقق نقطة التعادل المالي في ميزانيتها. ولكن هذا الانهيار جعلها تتأثر بشدة دون أن تعلن عن ذلك.

 

تشير الدراسات إلى أن نزول عشرة دولارات من سعر البرميل الواحد يخفض الإيرادات المالية من 2% إلى 4% من الناتج المحلي. وذلك على حسب كل بلد. ولكن بعض الدول مثل الكويت وقطر والإمارات لديها حلول وبدائل اقتصادية قوية لذلك.

 

ولذلك يؤكد الخبراء أن اتفاق “أوبك” وحلفائها لم يكن في مصلحة روسيا. وقد أصبحت “أوبك” الآن مضطرة أن توافق على خفض نفطي كبير بعدما تفشى فيروس كورونا. وتأثر اقتصادات الدول بذلك. ولكن بشرط مشاركة روسيا. وهو ما ترفضه روسيا.

 

من ناحية أخرى تتواتر الأخبار بانهيار الأسهم الخليجية في المعاملات. خاصةً بعد انهيار اتفاق خفض المعروض النفطي بين منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا. والذي دفع بأسعار الخام للانخفاض بشدة. وهو نذير انهيار اقتصادي يحتاج إلى علاج.

 

ماذا سيحدث إذا صدقت نبوءات الخبراء النفطيين؟

ترى ماذا سيحدث إذا صدقت نبوءات الخبراء النفطيين الذين قالوا بأن الاستهلاك العالمي من النفط قد يصيبه التناقص. في حدود 750 ألف برميل يومياً. وذلك بسبب رئيس ألا وهو فيروس كورونا. وهو ما تؤكده الأخبار اليومية للاستهلاك.

 

إن التنبؤات التي تقول بأن حدة فوضى الأسعار مع قلة استخدام النفط اليومي سيؤدي إلى صعوبات اقتصادية كبيرة. خاصةً لدول الخليج المنتجة للنفط. بسبب عجز ميزانياتها. وتراجع معدلات التنمية بها. وانهيار الأسهم مؤشر على ذلك.

 

كما يرى كثير من المراقبين أن قرار السعودية بتخفيض الأسعار. والذي اتخذته من جانب واحد دون التنسيق مع باقي الأعضاء في “الأوبك” لم يكن صائباً. مما قد يترتب عليه نتائج غير مرضية. خاصةً بعدما تراجع استهلاك النفط عالمياً.

 

من تداعيات انتشار فيروس كورونا على معظم البلاد توقف شبه دائم لقطاع مهم في استهلاكه للنفط مثل قطاع الطيران. الذي نزف الكثير من الخسارة في الأيام القليلة الماضية مع انخفاض عدد المسافرين وتعرض بعض شركات الطيران للإفلاس.

 

تأثرت شركة أرامكو السعودية بسبب الانهيارات المالية العالمية. وتراجع استهلاك النفط. فقد خسرت حوالي 248 مليار دولار من قيمتها. بل وتراجعت أسعار أسهمها بحوالي 10 %. وهذا مؤشر اقتصادي خطير.

 

تنبأ صندوق النقد الدولي خلال الأيام الماضية بأن بعض الدول في منطقة الخليج أو معظمها قد تواجه الإفلاس في عام 2034م. بسبب تراجع استهلاك النفط لحدوده الدنيا. وكذلك بسبب توقف إنتاج السيارات المعتمدة عليه كلياً.

 

كيف يتم تفادي حالة الفوضى والتضارب الحالية في أسواق النفط؟

إن حالة الفوضى والتضارب الحالية في أسواق النفط. وتراجع الإنتاج بمعدلات كبيرة بسبب فيروس كورونا. ربما تؤدي إلى تقديم موعد حالة الإفلاس الذي تنبأ بها صندوق النقد الدولي. مما يجعل الدول تلجأ إلى الديون والضرائب والاقتراض.

 

ولذلك يرى صندوق النقد الدولي أن تراجع العوائد النفطية في هذه المرحلة وغياب أي مصادر واضحة وبديلة للدخل في هذا الوقت. ستُنهي الدول التي باتت مرتبة على الربحية الريعية والترف. ووقتها ستبدأ مرحلة مطالبة الشعوب بحقوقها السياسية.

 

في المقابل يرى مراقبون أن روسيا لديها الحق في أن تضرب شركات النفط الأمريكية. لإفلاسها وإخراجها من الإنتاج والسوق. وهذا مجال المنافسة الضاري. وعلى المدى الطويل سوف تكون هي وباقي الدول المنتجة للنفط من الرابحين.

 

من جهة أخرى صرَّحت روسيا بأنها قد تتحمل انخفاض أسعار النفط لمدة تتراوح من ثمانية إلى عشر سنوات. من خلال ما تقدمه من حلول اقتصادية لهذا الأمر. ولكن هل ستتحمل السعودية ودول الخليج هذا الانخفاض المؤثر على اقتصاداتها بطريقة مباشرة.

 

ولذلك يرى بعض المراقبين للاقتصاد أن خطة رفع الإنتاج. وما يعقبها من خفض أسعار النفط بالسوق العالمي. ما هي إلا عملية تنافسية ضارية بين الثلاثي الذي يتحكم في إنتاج النفط في العالم. وهذه القوى الثلاثة هي السعودية وروسيا والولايات المتحدة.

 

وفي الوقت نفسه يرى بعض المحللين للأزمة النفطية أن الولايات المتحدة ستكون المتضرر الأكبر. إذا استمرت هذه الأزمة لبضعة أشهر مقبلة. خاصةً وأنها تنتج بشكل أساسي النفط الصخري العالي التكلفة في الاستخراج والمعالجة. فهل ستتحمل الأزمة أم لا؟

 

كما أن انخفاض الأسعار الحاد سيجبر الخزانة الأمريكية على التدخل وضخ ميزانية لإنقاذ قطاع النفط بها. أما المتضرر الحقيقي من خفض الأسعار على المدى الطويل فهي دول العالم الثالث التي تعتمد على صادرات النفط ولها اقتصاد هشّ وكثافة سكانية عالية.

 

من ناحية أخرى يرى بعض المحللين أن رفض روسيا لخفض الإنتاج كان بمثابة مشكلة كبيرة لمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة. وأدت لاشتداد المنافسة الحادة بينهم. خاصةً وأن منتجي النفط الصخري يحتاجون رفع الأسعار من أجل الاستمرار.

 

بينما يؤكد عدد من خبراء النفط في العالم أن رفض روسيا لتوصيات منظمة “أوبك” الأخيرة بخفض الإنتاج. واتخاذ قرار مفاجئ من السعودية إلى جانب الخفض المتفق عليه مسبقاً كان متوقعاً. لأن روسيا ترى أن هذا الأمر ضد مصلحتها الاقتصادية.

 

مما تؤكده الأزمة ويؤكده الخبراء أن الانخفاض المستمر في أسعار النفط سيؤثر بصورة واضحة على ميزانيات دول الخليج. فالكويت مثلاً ستتأثر وسيحدث عجز فعلي في الميزانية لمدة تتراوح من 3 إلى 6 أشهر. حتى تعود الأسعار للصعود.

 

مما يؤكده خبراء النفط في العالم أن انخفاض الأسعار سببه الرئيسي ليس فائض الإنتاج فقط. بل هناك أسباب أخرى. كالركود الاقتصادي بالعالم. وعجز السياسات المالية عن احتوائه. وانتشار فيروس كورونا وانعكاساته الاقتصادية.

 

يقدر بأنه في حال احتواء كورونا فمن الممكن أن ينشط الوضع الاقتصادي أكثر مما هو متوقع. الأمر الذي قد يزيد الطلب على النفط. مما يساعد على المحافظة على الأسعار. ولكن في ظل المنافسة والقرارات الأحادية فلن يستقر الوضع.

 

من الواضح أن الضغط على الأسواق النفطية جاء في توقيت صاعق. مما يجعله مضاعفاً بسبب فيروس كورونا. والذي خلق تراجعاً على طلب النفط. ويعمل على وجود وفرة في الإنتاج من دول منتجة للخام ستؤدي حتماً إلى ضربة في الأسعار.

 

يقول الخبير كامل الحرمي: كان من الممكن ألا تتعجل “أوبك” عقد اجتماع للمنظمة في تلك الظروف الحالية. خاصةً مع انتشار وامتداد كورونا. حتى تتضح الرؤية حول الاقتصاد الصيني ثاني أكبر قوة اقتصادية وأكبر دولة مستوردة ومستهلكة للنفط.

 

يرى الخبير النفطي الحرمي أن روسيا ترى أن أي خفض جديد للإنتاج قد يكون في مصلحة إنتاج النفط الصخري الأمريكي. في حين أن معظم دول المنظمة لم تلتزم بخفض الإنتاج. بالرغم من متطلباتها المالية المتلاحقة والمتراكمة.

 

بصورة شاملة لقد أصبح الأمر أكثر تعقيداً. فمنظمة “أوبك” لم تؤد واجبها بالشكل المطلوب في هذه الأزمة. والنتيجة الحتمية انهيار الأسعار. وكيف تستطيع “الأوبك” أن تعيد سعر النفط إلى نطاق الـ50 دولاراً تحت الظروف الاقتصادية والصحية الحالية؟

 

في النهاية إن انهيار اتفاق “أوبك” والرفض الروسي للاستمرار بمزيد من التخفيض. سيؤدي حتماً إلى انخفاض الأسعار إلى ما دون 40 دولاراً للبرميل. وسيؤثر على الجميع. سواءً في روسيا أو في منطقة أوبك. بالإضافة إلى الركود الاقتصادي وأزمة كورونا.

شَارِك المَقَال