شَارِك المَقَال

 

يُمْكِنُ اعْتِبارُ أَنَّ الرّيادةَ وسيلةٌ تُمَكِّنُ المُؤَسَّسةَ أو المُنَظَّمةِ من تَحْقيقِ أَهْدافِها، وقَد اتَّبَعَتْها الكَثيرُ من المُؤَسَّساتِ للوُصُولِ إلى مُسْتَوَى مُعَيَّنٍ من النَّجاحِ، وكانَ لَها دَوْرٌ كَبيرٌ في تَشْجيعِ تِلْكَ المُؤَسَّساتِ على الإِبْداعِ والابْتِكارِ والتَّفَرُّدِ، فَكانَت تُسابِقُ كُل جَديدٍ، وتُحَقِّقُ الميزةَ التَّنافُسيّةَ..

 

بِاخْتِصارِ إِنَّها ثَقافةُ الرّيادةِ.

 

إِذَنْ.. الرّيادةُ هي الميزةُ الَّتي تَكْتَسِبُها شَرِكةٌ ما، حِينَ تُصْبِحُ رائِدةً في صِناعةٍ مُعَيَّنةٍ أو مُنْتِجٍ مُعَيَّنٍ، أَيْ: إِنَّها أَوَّلُ من قَدَّمَ ذلك المُنْتَجَ أو الخِدْمةَ الجَديدةَ.

ويُقْصَدُ بالرّيادةِ إِنْشاءُ مَشْرُوعٍ جَديدٍ، أو تَقْديمُ خِدْمةٍ أو فِكْرةٍ جَديدةٍ، وكذا إِدارةُ المَوارِدِ المُخْتَلِفةِ بِصُورةٍ مُبْتَكَرةٍ.

وبِشَكْلٍ عامٍّ؛ فَإِنَّ أَيَّ شَيْءٍ يَرْتَبِطُ بالاخْتِراعاتِ والتَّفَرُّدِ، وإِنْشاءُ شَيْءٍ جَديدٍ، والمُخاطَرةُ والمُبادَرةُ لِتَحْقيقِ الأَهْدافِ، يُسَمَّى “ريادةً”.

 

مَنْ هو الرِّياديُّ؟

عَرَّفَ العالِمُ الاقْتِصاديُّ “شومبيتر” الرّياديَّ بِأَنَّهُ “ذلك الشَّخْصِ الَّذي لَدَيْهِ الإِرادةُ والقُدْرةُ على تَحْويلِ فِكْرةٍ جَديدةٍ أو اخْتِراعٍ جَديدٍ إلى ابْتِكارٍ ناجِحٍ”.

ويَتَمَتَّعُ الشَّخْصُ الرّياديُّ بِالعَديدِ من السِّماتِ، فَكَوْنُكَ رياديًّا يَعْني أَنَّكَ مُخْتَلِفٌ، ومُتَقَدِّمٌ على أَقْرانِكَ؛ حَيْثُ يَتَمَيَّزُ سُلُوكُكَ دائِمًا بِرُوحِ المُبادَرةِ والتَّفَرُّدِ والتَّمَيُّزِ، وبِشَكْلٍ عامٍّ فَإِنَّ الرّياديَّ هو الشَّخْصُ الَّذي يُقَدِّمُ مُنْتَجاتٍ أو خِدْماتٍ جَديدةً بِطَريقةٍ مُبْتَكَرةٍ وجَذّابةٍ أَكْثَرَ من غَيْرِهِ، بحيث تُساهِمُ تلك المُنْتَجاتُ أو الخِدْماتُ في تَحْسينِ حَياةِ النّاسِ، أو التَّغْييرِ في خَريطةِ السُّوقِ، وتُثْبِتُ وُجُودًا فاعِلًا فيها، ويَكُونُ لها القُدْرةُ على التَّنافُسيّةِ.

وهنا لا بُدَّ من التَّأْكيدِ على أَنَّ تَقْليدَ الآخَرينَ أو اسْتِنْساخَ تَجارِبِهِم لَيْسَت من سِماتِ الرّياديِّ؛ لِأَنَّهُ دائِمًا مُتَفَرِّدٌ ويُفَكِّرُ بِطَريقةٍ مُخْتَلِفةٍ، بَل يُقَدِّمُ خِدْماتِهِ بِآليّةٍ فَريدةٍ تَضْمَنُ الوُصُولَ إلى أَهْدافِهِ.

 

الفِكْرُ الرِّياديُّ

رِيادةُ الأَعْمالِ هي القُوّةُ الاقْتِصاديّةُ القادِمةُ المُحَرِّكةُ لاقْتِصاداتِ الدُّوَلِ، ونَظَرًا لأَهَمّيَّتِها، فَقَد سارَعَت العَديدُ من الحُكُوماتِ المُتَقَدِّمةِ، في اتِّخاذِ السُّبُلِ الَّتي تُساعِدُ في تَنْميةِ هذا الفِكْرِ؛ حَيْثُ أَثْبَتَت التَّجارِبُ أَنَّ هُناكَ عَلاقةٌ جَوْهَريّةٌ لإِرْساءِ الفِكْرِ الرّياديِّ، والعَديدُ من العَوامِلِ الخارِجيّةِ، كالعَوامِلِ الثَّقافيّةِ، الاجْتِماعيّةِ، التَّنْظيميّةِ، المُؤَسَّسيّةِ والتَّعْليميّةِ.

وقَد تَفَرَّعَت مَجالاتُ ريادةِ الأَعْمالِ لِتَشْمَلَ مَفاهيمَ جَديدةً، مِثْلُ: ريادةِ الأَعْمالِ المُؤَسَّسيّةِ، ريادةُ الأَعْمالِ المُجْتَمَعيّةِ، الَّتي لا تُرَكِّزُ على جَنْيِ الأَرْباحِ وتَكْوينِ الثَّرْوةِ فقط، ولَكِنَّها تَهْدِفُ إلى خِدْمةِ المُجْتَمَعِ وتَحْقيقِ المَصْلَحةِ العامّةِ.

كما واكَبَ الاهْتِمامَ بِرُوّادِ الأَعْمالِ انْتِشارُ حاضِناتِ الأَعْمالِ، وظُهُورُ رَأْسِ المالِ الجَريءِ، لِدَعْمِ الابْتِكاراتِ الجَديدةِ والشَّرِكاتِ النّاشِئةِ، واليَوْمَ؛ يَشْهَدُ العالَمُ اهْتِمامًا أَكْبَرَ بِريادةِ الأَعْمالِ؛ لِكَوْنِها أَحَدَ أَبْرَزِ وأَهَمِّ الحُلُولِ لِتَوْفيرِ فُرَصِ العَمَلِ في المُجْتَمَعِ، كَما يُمْكِنُ اعْتِبارُها طَريقَ المُسْتَقْبَلِ لِبُلُوغِ اقْتِصادِ المَعْرِفةِ.

 

البِيئَةُ الرِّياديّةُ

تُشَكِّلُ البيئةُ الرّياديّةُ عُنْصُرًا أَساسيًّا في نُمُوِّ الاقْتِصادِ وتَطَوُّرِهِ، ولَعَلَّ مُكَوِّناتِ هذه البيئةِ تَخْتَلِفُ من بَلَدٍ إلى آخَرَ، حَسَبَ تَقَدُّمِ البَلَدِ اقْتِصاديًّا، بالإِضافةِ إلى الإِمْكاناتِ الَّتي تُوَفِّرُها الحُكُوماتُ، والمُجْتَمَعُ المَحَلّيُّ، والقِطاعُ الخاصُّ، من أَجْلِ تَوْفيرِ البيئةِ المُناسِبةِ للرّياديّينَ.

كما يُمْكِنُ القَوْلُ: إِنَّ التَّشْريعاتِ والبيئةَ القانُونيّةَ تُشَكِّلُ عُنْصُرًا مُهِمًّا في دَعْمِ الرّياديّينَ، سَواءٌ بِشَكْلٍ مُباشِرٍ في حالِ وُجُودِ تَشْريعاتٍ تَخُصُّ الرّيادةَ والرّياديّينَ، أو من خِلالِ التَّشْريعاتِ المُتَعَلِّقةِ بالمَشاريعِ النّاشِئةِ، وبيئةِ الاسْتِثْمارِ بِشَكْلٍ عامٍّ، والقَوانينِ الخاصّةِ بِالمُنْشَآتِ المُتَوَسِّطةِ وصَغيرةِ الحَجْمِ على وجْهِ الخُصُوصِ.

ويُنْظَرُ للسّياساتِ الوَطَنيّةِ للنُّهُوضِ بِالأَعْمالِ الرّياديّةِ على اعْتِبارِ أَنَّها مُكَوِّنٌ ذُو أَهَمّيّةٍ في خَلْقِ ودَعْمِ بيئةِ الرّيادةِ، في أَوْساطِ الشَّبابِ، خاصّةً إِذا ما كانَت هُناكَ بَرامِجُ حُكُوميّةٌ وأَهْليّةٌ داعِمةٌ لِلرّياديّينَ؛ من حيث تَوْفيرُ الدَّعْمِ المادّيِّ والمَعْنَويِّ، لِتَجاوُزِ عَقَباتِ الفَشَلِ، وكذلك تَوْفيرُ بَرامِجِ بِناءِ القُدُراتِ والخِبْراتِ اللّازِمةِ لِتَعْزيزِ الرّيادةِ.

 

إِنَّ البيئةَ الرّياديّةَ في أَيِّ مُجْتَمَعٍ بِحاجةِ إلى سياساتٍ داعِمةٍ لِلنُّهُوضِ بِمُسْتَوَى الرّيادةِ، من أَجْلِ تَمْكينِ الشَّبابِ من أَخْذِ دَوْرِهِم ومُشارَكَتِهِم في تَحْريكِ عَجَلةِ الاقْتِصادِ، ومِمّا لا شَكَّ فيهِ أَنَّ الأَنْظِمةَ الحُكُوميّةَ تَتَحَمَّلُ المَسْؤُوليّةَ الأَكْبَرَ لِتَطْويرِ هذه البيئةِ؛ من خِلالِ بِناءِ مَنْظُومةٍ مُتَكامِلةٍ تَشْمَلُ تَوْفيرَ التَّعْليمِ الجَيِّدِ، والقَوانينَ، وبَرامِجَ التَّمْكينِ، وبِناءَ القُدُراتِ، إِضافةً إلى تَسْهيلِ الوُصُولِ إلى التَّمْويلِ، عِنْدَها يُمْكِنُ القَوْلُ: إِنَّ البيئةَ أَصْبَحَت رياديّةً.

 

 

شَارِك المَقَال