شَارِك المَقَال

لا شك أن العصر الحديث هو عصر الطاقة. فاكتشاف النفط وحقول الغاز الطبيعي في مناطق متفرقة حول العالم أحدث ثورة هائلة في شكل الآلة الصناعية وحجمها وقدراتها الإنتاجية. حتى أصبحا بمثابة الدم الذي يضخ في شـريان الصناعة والحرب والنقل والتكنولوجيا لمختلف دول العالم النامية والمتقدمة. والسؤال هنا: كيف أصبحت خطوط نقل الطاقة محوراً لتغير الرؤى السياسية وفقاً للمصالح الاقتصادية؟

 

ما أهمية موارد الطاقة للبلدان المصدرة والمستوردة؟

كان من نصيب الدول النامية خاصةً في منطقة الشرق الأوسط أن تزخر بمصدري الطاقة: النفط والغاز. ولذلك باتت تنفرد بأهمية قصوى في حسابات الدول الصناعية الكـبرى. بسبب رغبتها في استمرار تفوقها الصناعي والاقتصادي وتعزيز مصالحها الحيوية وتأمين خطوط نقل إمداداتها من الطاقة على امتداد العالم.

 

هذا إلى جانب الموقع المميز لمنطقة الشرق الأوسط المسيطر على مجموعة من القنوات والبحار والممرات المائية الاستراتيجية. ما يتيح لها أن تقوم بحلقة الوصل في مسارات نقل موارد الطاقة للبلدان الصناعية الكبرى. فباتت محوراً للتنافس العالمي على الفوز بمصادر الطاقة وضمان استمرار تدفقها.

 

وانطلاقاً من هذه الأهمية الكبرى للنفط والغاز كانت السيطرة على مصادرهما تعني ضمان استمرار عمل الآلة الصناعية الغربية. أي النمو الاقتصادي والرخاء الاجتماعي والقوة السياسية والاستعراض العسكري إن لزم الأمر. وهكذا أصبحت الطاقة محوراً لتغير الرؤى السياسية وفقاً للمصالح الاقتصادية.

 

علاوة على ذلك اختبرت الولايات المتحدة انقطاع إمدادات النفط عنها من دول الخليج أثناء حرب أكتوبر 1973م بين مصر وإسرائيل. بعدها قررت واشنطن ألا تترك إمداداتها النفطية للظروف. وبدأت تخطط حتى هذه اللحظة للسيطرة على منابع النفط الأساسية في العالم وبخاصة في منطقة الخليج.

 

هل لمصادر الطاقة دور في إشعال الصراعات؟

الحرب الباردة بين واشنطن والاتحاد السوفييتي محركها الرئيس هو الصراع على الطاقة. فحينما دخل الاتحاد السوفييتي أفغانستان نهاية السبعينيات بدعوى دعم الحكومة الشيوعية. تحركت أمريكا بسرعة لاحتواء الخطر. وانتهى الأمر بثورة عارمة ضد الاتحاد السوفييتي أدت لهزيمته وتفككه بداية التسعينيات.

 

في حرب الخليج الثانية 1991م بين الكويت والعراق وضعت الولايات المتحدة قدمها في المنطقة لحماية مصالحها النفطية. وشاركت بقوات عسكرية بدعوى حماية الكويت من العراق. ومنذ ذلك الحين تعمق وجودها وسريعاً ما ظهرت القواعد الأمريكية في السعودية والكويت وقطر والبحرين. وفي 2003م احتلت العراق.

 

ما حجم التنافس الدولي على أسواق الطاقة العالمية؟

الولايات المتحدة -القوة الأولى عالمياً اقتصادياً وسياسياً- في حالة تنافس اقتصادي وعسكري محتمل مع أوروبا واليابان والصين وروسيا. ولذلك تسعى لاحتواء النفوذ المتنامي لروسيا والصين. وتسعى للهيمنة على دول أوروبا واليابان عبر التحكم في إمدادات النفط في مختلف بقاع العالم بالسلم وبالقوة.

 

كما تنتشر قوات أمريكية أيضاً في جورجيا وطاجاكستان والجمهوريات المحيطة ببحر قزوين من دول الاتحاد السوفييتي السابق. فضلاً عن باكستان وجيبوتي واليمن ومنطقة القرن الإفريقي والفلبين. بسبب تأمين النفط وحماية مصالحها الاقتصادية. فهي مناطق تزخر بالنفط أو على طرق المواصلات المتصلة بالنفط.

 

لهذا السبب يبرز التنافس الأمريكي-الروسي- الأوروبي- الصيني على أسواق الطاقة العالمية. فواشنطن الأولى في استهلاك الطاقة وروسيا الأولى في إنتاجها. من هنا بدأ التنافس للسيطرة على مشاريع نقل الطاقة. فأمريكا تحاول زعزعة موسكو عن موقف المتسيد على الأسواق بتشجيع مشاريع ستزيحها عن مكانتها.

 

من جهة أخرى هناك تعاون ودعم كبير قدمته موسكو وطهران للنظام السوري بعد اندلاع ثورة 2011م. لم يكن هذا الدعم إلا لهدف استراتيجي هو تأكيد الحضور الروسي والإيراني في الشرق الأوسط. وبالتالي رعاية مصالحهما الحيوية في مصادر الطاقة. وحماية أنابيب النقل في المنطقة وصولاً إلى موانئ التصدير.

 

كيف تحاول روسيا السيطرة على أمن الطاقة الأوروبي؟

تحاول روسيا السيطرة على أمن الطاقة الأوروبي. فتعمل جاهدة على منع قيام أي مشروع يقلل من هيمنتها على أوروبا في مجال الإمداد بالغاز. والذي تستعمله كورقة ضغط على أوروبا. فأوعزت لسوريا برفض مشروع أمريكي لإنشاء خط لنقل الغاز القطري إلى السعودية لينتهي في سوريا ومنه إلى تركيا وأوروبا.

 

قبل ذلك وخلال الأزمة الأوكرانية قامت موسكو بإغلاق الغاز الوارد إلى أوكرانيا في 2006م. وفي 2007م منعته عن بيلا روسيا. وأغلقت أنبوب (دروبا) فقطعت إمدادات الغاز عن 3 دول أوروبية (بولندا وألمانيا ولتوانيا). وأنشأت خطوط غاز جديدة شمال أوروبا وجنوبها لتعزيز مكانتها في الأسواق الأوروبية.

 

لماذا تسعى أوروبا لتنويع إمدادات الغاز؟

تسعى أوروبا لتنويع إمدادات الغاز التي تحصل عليها من حقول الشرق الأوسط وآسيا للتخلص من المرور عبر روسيا. فدشنت منظومة قوية لضمان نقل الغاز إليها عبر شراكة متوسطية تضم دول الاتحاد المتوسطية والدول العربية في حوض المتوسط وتركيا وقبرص. بهدف تفادي الضغوط التي تتعرض لها في هذا الصدد.

 

من ناحية أخرى تتبنى الصين موقف المراقب المتابع لتطورات التنافس على مصادر الطاقة في الشرق الوسط وحركة المتغيرات فيه. فالصين قوة اقتصادية متنامية لا يستهان بها. تستثمر الفرص وتعمل على تأمين حصولها على موارد الطاقة وحصتها من السوق لإدامة نموها الاقتصادي.

 

إن الحروب التي اندلعت في الدول العربية في سوريا واليمن وليبيا بعد 2011م. وفي العراق قبل ذلك. وظهور تحالفات مؤيدة ومعارضة. كل ذلك قد لا يخلو من حسابات سياسية تصبّ في خانة حماية المصالح الاقتصادية للدول التي دخلت على خط هذه الأزمات. بهدف تأمين خطوط نقل الطاقة إلى دولها دون توقف.

 

في نهاية المطاف تحتاج الدول العربية الغنية بمصادر الطاقة -وفي مقدمتها سوريا- لاستثمار هذا الوضع الجديد. الذي فرضته الجغرافيا والمتغيرات السياسية والاقتصادية الجديدة. من أجل تثبيت أقدامها على الخارطة الدولية الجديدة. والإلقاء بثقلها الفريد في رسم معالم السياسة الدولية.

شَارِك المَقَال