شَارِك المَقَال

 

مَع مَطْلَع شَهْر يُونْيُو مِن العام 1995م أَعْلَنَت شَرِكة ” ياهُو Yahoo ” الأَمْريكيّة إِطْلاق عَلامَتِها التِّجاريّة كأَوَّل عَلَامة مُمَيَّزة حَوْل العالَم، وقَد ساهَم لِتَتَحَوَّل مِن مُجَرَّد شَرِكة مَحَلّيّة إلى عَلامة تِجاريّة عالَميّة ومُنْتِجٍ يُمْكِن حِمايَتَه مِن السَّرِقة والتَّزْييفِ.

 

وفي شَهْر أَبْريل مِن العام 1996م، طَرَحَت “ياهو” أَسْهُمَها للمَرّة الأُولَى في بُورْصة “وول ستريت”، وقامَت بِبَيْع 2,6 مِلْيُون سَهْم بسِعْر 43 دُولارًا لِلسَّهْم الواحِد، وسَريعًا ما ارْتَفَعَت قيمَتُها السُّوقيّة إلى 850 مِلْيُون دُولار.

ومَع حُلُول عام 1997م وانْطِلاق ثَوْرة الإِنْتَرْنِت؛ ارْتَفَعَت أَسْهُم الشَّرِكة بِمُعَدَّل 511%، وبَلَغَت قيمَتُها في السُّوق 4 مِلْيارات دُولار، وفي العام 2000م أَصْبَحَت “ياهُو” واحِدة مِن أَقْوَى الشَّرِكات عَبْر الإِنْتَرْنِت، وتَضاعَفَت أَسْعار أَسْهُمِها إلى أَعْلَى مُسْتَوًى لها في مَطْلَع هذا العام عِنْد 118,75 دُولار لِلسَّهْم، ثُم تَراجَعَت الثَّوْرة في عالَم الإِنْتَرْنِت، وبالتّالي تَراجَعَت أَرْباح الشَّرِكة، ووَصَل سِعْر الأَسْهُم في سِبْتَمْبِر مِن عام 2001م إلى أَدْنَى مُسْتَوًى لَه عِنْد 8,11 دُولار.

 

وفي نِهاية عام 2008م، وبِسَبَب تَداعيات الأَزْمة الماليّة العالَميّة انْخَفَضَت قيمة الأَسْهُم بِشَكْلٍ أَكْبَرَ إلى 8,94 دُولارٍ لِلسَّهْم الواحِد، وتَوالَت انْهيارات “ياهو” حَتَّى قَرَّرَت الشَّرِكة بَيْع أَصْل أَعْمالِها مُقابِل 4,8 مِلْيار دُولار لِشَرِكة “فيرايزون”، فَلَم تَتَمَكَّن مِن الاسْتِمْرار أَمام مُنافِسيها في السُّوق.

 

بذلك يَتَّضِح أَنّ القِيمة السُّوقيّة للعَلَامة التِّجاريّة مِرْآة عاكِسة لِنَجاح أَو فَشَل الشَّرِكة المالِكة لها؛ فقِيمة الشَّرِكة تَتَحَدَّد في جُزْء منها وَفْقًا للقِيمة السُّوقيّة لعَلامَتها التِّجاريّة، وذلك باعْتِبار أَنّ هذه العَلامة أَصْل مِن أُصُول الشَّرِكة، لا تَقِلّ أَهَمّيّة عن الأُصُول الأُخْرَى الثّابِتة والمُتَغَيِّرة.

 

مُصْطَلَح “القِيمة السُّوقيّة” للعَلامات التِّجاريّة، يَعْني القِيمة الَّتي تَسْتَمِدُّها هذه العَلامات من اسْتِهْلاك الجُمْهُور لها، ومَدَى دَعْمِها في السُّوق من قِبَل الأَطْراف الأُخْرَى ذات الصِّلة.

 

ورَغْم أَهَمّيّة قِيمة العَلامة التِّجاريّة، إِلّا أَنَّه لا يُوجَد مَفْهُوم ثابِت للقِيمة، وعلى سَبيل المِثال يَتِمُّ تَقْييم العَلامة على أَساس التَّكْلِفة؛ بِحَيْث يَتِم تَقْييم العَلامة التِّجاريّة وَفْقًا لإِجْمالي التَّكاليف الَّتي أَنْفَقَتْها الشَّرِكة مالِكة العَلامة التِّجاريّة مُنْذ إِنْشائِها، مِثْل: تَكاليف التَّرْخيص، وتَسْجيل العَلامة والتَّشْغيل، والحَمَلات الإِعْلانيّة، والتَّرْويج.

 

وهُناك أَيْضًا تَقْييم العَلامة التِّجاريّة على أَساس الدَّخْل؛ بِحَيْث يَتِمُّ تَقْييم صافي الأَرْباح المُسْتَقْبَليّة للعَلامة التِّجاريّة مِن أَجْل تَحْديد قيمَتِها الحاليّة، أَو من خِلال التَّدَفُّقات النَّقْديّة للعَلّامة التِّجاريّة أَو فائِض التَّكْلِفةِ.

 

وَتَشْتَمِل هذه الطَّريقة على عِدّة وسائِل لِلتَّقْييم، مِثْل: الإِعْفاء من الامْتيازاتِ: بِحَيْث يَتِمُّ التَّقْييم وَفْقًا لِمِقْدار الأَمْوال الَّتي يَتَوَجَّب على الشَّرِكة دَفْعُها لاسْتِخْدام العَلامة التِّجاريّة، إِذا كانت مُرَخَّصة من قِبَل طَرَف ثالِث، وفائِض الرِّبْحِ: ويَتِمّ من خِلالها قياس قِيمة الأَرْباح الَّتي تَتَجاوَز الأَرْباح المَطْلُوبة لجَذْب المُسْتَثْمِرين، فهذه الأَرْباح الفائِضة تُمَثِّل قيمة العَلامة التِّجاريّة.

 

كَذلك يُمْكِن احْتِساب قيمة العَلامة وفْقًا لـ”السِّعْر النِّسْبي“؛ بِحَيْث يَتِمُّ تَقْييم تَكْلِفة أَرْباح المُنْتَج الَّذي تَبيعُه العَلامة مُقارَنة بِأَرْباح الشَّرِكات الأُخْرَى، وأَخيرًا يُمْكِن التَّقْييم عن طَريق رَسْمَلة الأَرْباح الماضية، وتَعْتَمِد هذه الوَسيلة على رَسْمَلة الأَرْباح الَّتي حَقَّقَتْها العَلامة التِّجاريّة في السّابِق.

أَمّا تَقْييم العَلامة التِّجاريّة على أَساس السُّوق فَيَتِمُّ عَبْر مُقارَنة مَكانة العَلامة التِّجاريّة بِالعَلامات التِّجاريّة الأُخْرَى الَّتي تَم بَيْعُها، ومَدَى ثَباتِها ضِدّ المُتَغَيِّرات الدّاخِليّة والخارِجيّة وفَتْرة بَقائِها في السُّوقِ.

 

وهُناك طَريقَتان تَنْدَرِجان تَحْت هذا النَّهْج في التَّقْييم، وهُما: نِسْبة السِّعْر لِلرِّبْح: ويَتِمُّ التَّقْييم هُنا من خِلال قِسْمة سِعْر سَهْم الشَّرِكة المُدْرَج في البُورْصة على أَرْباح الشَّرِكة لِكُل سَهْم، للحُصُول على نِسْبة سِعْر السَّهْم إلى الأَرْباح.

والطَّريقة الثّانية هي مُضاعَفة العائِداتِ: بِحَيْث يَتِمّ قياس قيمة العَلامة التِّجاريّة بِناء على صافي مَبيعاتها أو إِجْماليّ إيراداتِها.

 

خِتامًا، تُؤَثِّر القِيمة السُّوقيّة للعَلامة التِّجاريّةِ؛ إيجابًا وسَلْبًا، على الوَضْع الماليّ والإِداريّ لِلشَّرِكة المالِكة لها، فَإِذا ارْتَفَعَت اسْتَفادَت العَلامة من تَحْقيق سُمْعة طيبة، والحُصُول على أَرْباح أَكْبَر، وتَمْييز مُنْتَجِها عن مُنْتَجات المُنافِسين في أَسْواق السِّلَع المُماثِلة، والقُدْرة على تَدْشين تَوابِع لِمُنْتَجاتها، وانْخِفاض حَساسية الأَسْعار بِشَأْن مُنْتَجاتِها، وارْتِفاع مُسْتَوَى ولاء المُسْتَهْلِك للعَلامة، والتَّمَتُّع بِوَضْع تَنافُسيّ أَكْثَر قُوّةً.

أَمّا إِذا انْخَفَضَت القِيمة السُّوقيّة للعَلامة، فَإِنَّها تَكُون بِذلك دَليلًا على إِخْفاق الشَّرِكة وحاجَتِها العاجِلة لِتَغْيير خُطَطها وتَجاوُز التَّحَدّيات الَّتي تَمُرّ بها، والَّتي إِذا ما تُرِكَت دُون عِلاج فَإِنَّها سَتَكُون بِداية الانْهيار وإِعْلان النِّهاية، مِثْلَما حَدَث مع “ياهو”.

 

شَارِك المَقَال