شَارِك المَقَال

بعد أكثر من عقد على حرب شعواء بدأها النظام السوري ضد شعبه. وتمكن من تحويل ثورة شعبية إلى حرب ضروس ذات أبعاد إقليمية ودولية. في ظل هذه الحرب فقد الاقتصاد السوري غالبية موارده. وهو ما انعكس سلباً على السوريين في كامل الجغرافيا السورية. ولعل مناطق سيطرة النظام تعد الأكثر فقراً وعوزاً. والسؤال الأهم هنا: كيف يخيم الفقر والجوع على مناطق النظام السوري؟

 

ما أسباب تدهور الاقتصاد السوري؟

في الحقيقة أتت الحرب على مختلف الموارد الاقتصادية في سوريا. كما ساهمت عوامل إضافية أخرى في تدهور الاقتصاد السوري. منها العقوبات الغربية على النظام السوري وفقدانه السيطرة على المناطق الغنية بالموارد. وتوقف الصادرات. وهجرة الكفاءات البشرية. والنهب العشوائي والمنظم للمصانع السورية من جميع الأطراف المتناحرة. كل ذلك أدى لتقليص القدرة الإنتاجية للبلاد.

 

إن السوريين هم من يسددون الفاتورة الحقيقية للحرب السورية. فبعد تراجع شبح الموت جراء العمل العسكري المباشر ظهر شبح الموت جوعاً وبرداً. فالموت يلاحق السوريين سواء الموت بالرصاص أو الموت بالجوع والبرد. ومما لا شك فيه أن السوريين في كامل الجغرافيا السورية ضحية لهذا الواقع الاقتصادي. وهذا الأمر ينسحب بشكل مباشر على السوريين في مناطق سيطرة النظام.

 

ما أبرز مظاهر التدهور الاقتصادي في مناطق النظام؟

في الواقع تتعدد المؤشرات التي تدل على بؤس اقتصادي حاد في مناطق سيطرة النظام. أولها تدهور قيمة الليرة السورية. والتي حالياً تبلغ 3,600 ليرة للدولار الواحد. وهو ما انعكس سلباً على مستوى الأجور. فمتوسط أجر الموظف الحكومي لا يتجاوز 35 دولاراً شهرياً. وهو لا يكفي لتغطية جزء بسيط للغاية من الاحتياجات الأساسية للأسرة.

 

بصفة عامة يعد الفقر من أبرز المؤشرات على الواقع الاقتصادي السيئ للسوريين في مناطق سيطرة النظام. فوفقاً للبوابة العربية للتنمية يعيش نحو 90% من السوريين تحت خط الفقر. ووفقاً لبرنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية التابع للأمم المتحدة فإن نِسب الفقر في مناطق النظام تفوق باقي المناطق.

 

نتيجة لذلك يشهد الفقر في مناطق سيطرة النظام ارتفاعاً مستمراً. ففي عام 2020م بلغت نسبة الفقر 96% وارتفعت عام 2021م إلى 99%. فالغالبية الساحقة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. وهذا يعني عدم قدرتهم على تغطية حاجتهم وحاجة أسرهم الأساسية. وهو ما يهدد بالتسبب بأزمة اجتماعية في البلاد.

 

بالطبع من مؤشرات البؤس الاقتصادي العجز عن توفير متطلبات الحياة. ففي عام 2021م ارتفعت نسبة السوريين العاجزين عن توفير احتياجاتهم من الغذاء إلى 69%. والعاجزين عن توفير المحروقات للتدفئة إلى 59%. إضافة لارتفاع أسعار المواد الغذائية 400% خلال العامين السابقين. علاوةً على شُح في الخبز وندرة في المواد الغذائية لا سيما حليب الأطفال.

 

ولذلك امتلأت الشبكات الاجتماعية بصفحات أنشأتها مجموعات من السوريين المقيمين داخل مناطق سيطرة النظام. تختص منشوراتها بنصائح حول أرخص الوجبات التي يمكن طهوها في المنزل مثل البرغل والأرز والبطاطا المطهوة والمعكرونة. أي أنه نظام غذائي غير صحي قوامه الكربوهيدرات ويتجاهل مواد غذائية مرتفعة الثمن مثل اللحوم والفواكه ومنتجات الألبان والخضراوات.

 

كما يعد انعدام وسائل التدفئة مشكلة حادة. فغالبية السوريين في مناطق النظام لجأوا للتدفئة على الحطب. الذي ارتفع سعر الطن الواحد منه إلى 400 ألف ليرة سورية. وهو ما يعادل أجر الموظف لعدة شهور. فالبعض لم يتمكن من توفير سعره. ولعل وفاة شابة بسبب البرد في ريف القرداحة مسقط رأس الأسد دليل على حدة الفقر التي تنهش المجتمع السوري.

 

إن الزيادة الحادة في أسعار السلع الغذائية أجبرت المواطنين في مناطق النظام على انتظار السلع المدعمة التي تفتقد للجودة. ويعتبرها البعض غير صالحة للاستخدام الآدمي. ورغم ذلك قلّص النظام كميات هذه السلع حتى أصبحت غير كافية لتغطية احتياجات الأسر السورية. ومع تفاقم أزمة نقص السلع الغذائية قررت حكومة النظام رفع سعري السكر والأرز (يباعان بسعر مدعم) بنسبة 66%. والخبز بنسبة 100%.

 

هذا بالإضافة لانقطاع التغذية الكهربائية بشكل شبه تام. وفي سبيل إدارة هذه المشكلة أقرت حكومة النظام سياسة لتقنين الكهرباء. وأعلنت عن ساعات محددة يفترض أن الكهرباء ستتوافر فيها. لكن حتى هذه السياسة “فاشلة”. فغالباً ما يكون التيار الكهربائي منقطعاً في هذه الساعات.

 

في الوقت نفسه أزمة وقود السيارات هي الأخرى تعقّد المشهد الاقتصادي. فالسيارة الخاصة لا تتجاوز مخصّصاتها الشهرية 80 لتراً شهرياً. بينما مركبات النقل العامة مخصصاتها تبلغ 300 لتر شهرياً. وهو ما سبّب أزمة نقل حادة وشللاً شبه تام في الحياة الاقتصادية.

 

كيف يواجه السوريون الأزمات الاقتصادية الحادة؟

بصفة عامة إن الجوع والفقر يخيّمان بشدة على مناطق سيطرة النظام السوري (حتى العاصمة دمشق). وباتت الغالبية الكبرى من السكان تعتمد على مصدرين أو ثلاثة مصادر للدخل لتأمين احتياجاتهم الرئيسة أو جزء منها. فمع الهبوط الكارثي في قيمة الليرة تدنت الأجور. ولم تعد تكفي لمواجهة الازدياد الجنوني في أسعار السلع الرئيسة.

 

بحسب مؤشر قاسيون الاقتصادي فإن حاجة الأسرة السورية المكونة من خمسة أشخاص تبلغ مليون وربع ليرة سورية شهرياً. بينما دخل الموظف الحكومي لا يتجاوز 10% من هذا الرقم. وهو ما يوضح بشكل جلي فداحة البؤس الاقتصادي المخيم على المجتمع السوري في مناطق سيطرة النظام.

 

وفقاً لبرنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية فإن 76% من العائلات السُّوريَّة تغطي نفقاتها عن طريق الاقتراض والاستدانة. و3% منهم يلجأ لبيع الأثاث أو حتى بيع المسكن. و4% يعتمد على عمالة الأطفال. وهذا الأمر يوضِّح مدى فداحة الواقع الاجتماعي في سوريا.

 

إن الظروف المتدهورة في العاصمة دمشق وغيرها من مدن النظام ساهمت في زيادة اعتماد السكان بشكل حادّ على المساعدات الخارجية. حتى أصبحت المساعدات مصدراً رئيساً للدخل وتلبية الاحتياجات الرئيسة للسوريين. خصوصاً المساعدات العينية والنقدية التي توفرها المنظمات الإغاثية الإقليمية والدولية. ثم الحوالات المالية من الأصدقاء والأقارب في دول الاستضافة.

 

لكن حتى المساعدات الأممية -للأسف الشديد- تشوبها المحسوبية والفساد. فقد وثّق نشطاء لحقوق الإنسان اختيار النظام للمستفيدين من هذه المساعدات وتوزيعها على مَن يعدّهم موالين له. كما أن المناطق والمدن والأقاليم الموالية له أو المقربة من مسؤولين كبار مرشّحة أكثر من غيرها للاستفادة من مساعدات ومشروعات الأمم المتحدة. علاوة على غيرها من المنظمات الدولية التي تتّخذ من دمشق مقراً لها.

شَارِك المَقَال