شَارِك المَقَال

اعتبار المسؤولين الروس تفجير سيارة داريا دوجين ابنة الفيلسوف والمُنظر السياسي الكسندر دوجين. الذي كان من المفترض وجوده معها وقت الانفجار. جريمة اغتيال سياسي رغم عدم توليه أي منصب ببلاده. إشارة قوية إلى أهميته في الحياة السياسية في روسيا واعتباره العقل المُدبر لسياسة بوتين التوسعية. والسؤال هنا: لماذا يعد الكسندر دوجين منظر السياسة التوسعية لروسيا وسبب الحرب الأوكرانية؟

 

من هو الكسندر دوجين؟

يعد الكسندر دوجين أحد أشهر المفكرين والفلاسفة الروس المعاصرين. له وجهات نظر يمينية متطرفة حول مكانة روسيا في العالم. حيث ساعد في تشكيل السياسة الخارجية التوسعية للرئيس فلاديمير بوتين. ولذلك يلقب بـ “راسبوتين بوتين” و “عقل بوتين”. وتدور أفكار دوغين حول صراع الحضارات وضرورة إحياء الاتحاد السوفييتي لمواجهة العالم أحادي القطب بقيادة الولايات المتحدة.

 

ما هي النظرية الرابعة في فكر دوجين؟

يعتقد دوجين أن الفكر السياسي العالمي في القرن العشرين قام على ثلاث نظريات. هي الليبرالية والشيوعية والفاشية. والفاشية تم القضاء عليها على يد الليبرالية مع نهاية الحرب العالمية الثانية. والشيوعية تم القضاء عليها أيضاً على يد الليبرالية مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991م. ويرى حالياً أن الليبرالية تواجه الموت المحتوم. وذلك كونها تحاول -وفقاً لدوجين- “تحرير نفسها من التفكير وقيود العقل”. ويشبه ذلك الأمر بمحاولة تحرير اليدين من سيطرة العقل. وهذا من شأنه تدمير الليبرالية ذاتها أو تدمير العالم.

في ظل هذا التوصيف للنظريات الثلاث يقدم دوجين نظريته الجديدة المسماة بالنظرية السياسية الرابعة. والتي تهمل تأثير العِرْق أو القومية وتركز على الوعي الذاتي الإنساني. ويعتقد أن التكنولوجيا حدَّت من هذا الوعي. وهذا ما يفسّر كره دوجين للتكنولوجيا وعداءه لها.

يعارض دوجين فكرة العولمة. ويرى أنها تتناقض مع الوعي الذاتي الإنساني. وتميل لتدجين الإنسان وإحكام السيطرة عليه مِن قِبل الشركات الكبرى العابرة للقوميات. وفي هذا السياق يعتقد أن فوز ترامب على حساب هيلاري كلينتون عام 2016م كان بمثابة انتصار على العولمة. ولذلك رأى في فوز ترامب ثورة شعبية أمريكية على العولمة. وهذا ما قد يفسر التقارب النسبي بين ترامب وبوتين. كما قد يفسر أيضاً التهم التي وُجّهت لبوتين بدعمه لترامب في الانتخابات الأمريكية عام 2016م.

 

ما مضمون النظرية الأوراسية لدى دوجين؟

الاتحاد الأوراسي في فكر دوجين يشمل روسيا وشرقي أوروبا. وتحديداً الدول المكوّنة للاتحاد السوفييتي سابقاً. ويعتقد دوجين أن العدو الأول للاتحاد الأوراسي ليست الولايات المتحدة الأمريكية. بل حلف الناتو. لذلك فإن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم كان خطوة على طريق إحياء الاتحاد الأوراسي. وهذا ما يفسّر العقوبات الغربية على دوجين عقب ضم روسيا للقرم. فهو كان المحرّض والمشجّع لهذا الأمر.

 

ما طبيعة دور دوجين في الحرب الأوكرانية؟

في كتابه أسس الجيوبولتيكا الصادر عام 1997م والذي تم فرضه كمقرر دراسي بأكاديمية الأركان العامة للجيش الروسي. روّج دوجين لفكرة أن أوكرانيا كدولة ليس لها معنى جيوسياسي. ورأى سابقاً أن غزو روسيا لأوكرانيا أمر لا مفر منه. وأن مستقبل روسيا مرهون بالسيطرة على أوكرانيا. ولذلك يعد من أهم المنظّرين لهذه الحرب والمشجّعين لها.

في ظهوره الأخير مع أكاديميين صينيين وباكستانيين أكد دوجين أن روسيا ستستخدم الأسلحة النووية بدلاً من قبول الهزيمة في أوكرانيا. وهو أحد الأسئلة المطروحة الآن. بعد تفجير سيارة ابنته الذي يمكن أن يقود الكرملين إلى سياسات أكثر عدوانية في الحرب وفي السياسة الداخلية.

 

ما هي طبيعة الدور الدولي لدوجين؟

استفاد دوجين من قربه من بوتين لبناء دور دولي كبير لنفسه. ففي زياراته المتكررة لإيران وتركيا يركز على إنهاء الهيمنة الأمريكية. وفي أوروبا والولايات المتحدة ينسّق مع اليمين المتطرف لنفس الغرض. كما يدعو بلاده والصين لبناء نظام عالمي مُتعدّد الأقطاب ضد العولمة الأمريكية.

إن فكر دوجين يعزز من الطرح القائل بأن التوترات السياسية الكبرى في العالم تقوم في جوهرها على تطرف فكري لمنظرين سياسيين أو فلاسفة. فالسياسة الدولية ليست إلا انعكاساً لنظريات أو مبادئ فكرية. تتحول مع الزمن إلى إسقاطات على أرض العلاقات السياسية الدولية.

شَارِك المَقَال