شَارِك المَقَال

في ظل التغيرات الاقتصادية الحادة التي يشهدها العالم حالياً وعلى رأسها أزمة التضخم العالمي. وما رافقها من ارتفاع مستمر لأسعار الفائدة في العديد من الدول. إضافة للمخاوف من أزمة ركود اقتصادي قد تصيب الاقتصاد العالمي في نهاية العام الحالي. إضافة للمخاوف من حالة ركود تضخمي. ففي ظل هذه الواقع الاقتصادي العالمي يكثر الطرح حول مصطلح المال الرخيص. والتحذير من عقبات تراجع دوره. وأثر هذا الأمر على الاقتصاد العالمي. لذلك لا بد من تناول هذا المصطلح بدقة وتحديد ميزاته وسلبياته.

 

ما هو المال الرخيص؟

المال الرخيص مصطلح اقتصادي يشير إلى قرض أو ائتمان بسعر فائدة منخفض ما بين 1-4%. بحيث تقوم الحكومات بتقديم تمويل استهلاكي للأفراد واستثماري للشركات مقابل شروط سداد مريحة وفوائد بسيطة. قد تصل أحياناً لحد الفائدة الصفرية. والهدف من ذلك تنشيط الدورة الاقتصادية. من خلال دعم الطلب المتمثل بالقدرة الشرائية للأفراد وتعزيز العرض من خلال دعم الشركات. وغالباً ما يتم اللجوء لهذا الأمر في حالات الانكماش الاقتصادي. شريطة ألا يكون هناك مخاوف أو تهديدات من تضخم نقدي مستقبلي.

يرتبط إتاحة المال الرخيص في الاقتصاد بإيجابيات وسلبيات. فمن إيجابياته تحفيز الاقتصاد ودعم الشرائح الاجتماعية الفقيرة. ومن مساوئه أنه يُلحق الضرر بالودائع البنكية كونها ستحصل على عوائد منخفضة. كما أن من مساوئه أن تكلفة الإقراض المنخفضة تدفع إلى التوسع في الاقتراض. وهو ما قد ينعكس صعوبة في السداد وقد تكون كمية الاقتراض تفوق قدرة النظام النقدي على تحمّلها. مما قد يهيئ الظروف لأزمات اقتصادية كما حدث في الأزمة المالية عام 2008م. كما أن التوسع في الاقتراض قد يسبب تضخماً نقدياً.

 

ما الواقع الحالي للمال الرخيص في العالم؟

وفقاً لبيانات وكالة بلومبرج فقد تضاعفت في يونيو الماضي عمليات سحب أو تأجيل صفقات شراء السندات (الديون) في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا. أكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بشهر مايو. وذلك بسبب تراجع البنوك المركزية عن سياسات التحفيز. واعتماد سياسة رفع أسعار الفائدة في عدد واسع من الدول. خاصة في ظل ارتفاع معدل التضخم العالمي عقب الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة أسعار حوامل الطاقة وأزمة سلاسل التوريد.

في أوروبا مثلاً وبعد أن كان البنك المركزي يمتلك 345 مليار يورو من ديون الشركات في نهاية يونيو ارتفاعاً من 195 مليار يورو. وبعد أن استغلت الشركات هذه الفرصة لإصدار ديون رخيصة مع وصول 1.2 تريليون دولار إلى السوق عام 2021م. يتراجع الآن ويعيد استثمار الأصول المُستحقة دون شراء ديون جديدة. وحتى الشركات المالية القابضة مثل موتاريس الألمانية توقفت عن إصدار السندات. فمع ظروف السوق الصعبة التي يمر بها العالم من تضخم وضبابية اقتصادية لم يعد هناك مُستثمرون يقبلون على شراء السندات (الديون). فالظروف الاقتصادية الدولية الحالية أدت لتراجع حادّ في سياسة المال الرخيص.

 

آثار تراجع سياسة المال الرخيص

إن تراجع سياسة المال الرخيص عالمياً تعني تعزيز احتمال حدوث تباطؤ اقتصادي. وهي أنباء سيئة للبنوك التي تتعامل في الصفقات ذات العائد المرتفع. حيث تضمن تلك البنوك ديون الشركات ثم تبيعها لمستثمرين متخصصين. لكن الآن تتكبد البنوك خسائر في هذه الصفقات إذا طالب المستثمرون بتكاليف اقتراض أعلى من المتوقع. علاوة على ذلك يشعر بعض المستثمرين بالقلق من أن موجة من التخلف عن السداد تنتظرهم. كما أن العديد من قضايا الديون ستكلف الشركات أكثر مما اعتادت عليه. بالإضافة إلى ذلك فمنظمة فيتش للتصنيف الائتماني ترى أن ارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ الأرباح يعني احتمال مزيد من تخفيض التصنيفات للدول.

كما ترى وكالة موديز للتصنيف الائتماني أن الشركات ذات التدفق النقدي المنخفض. والديون ذات الفوائد المرتفعة التي تتماشى مع المعدلات المعيارية. تُخاطر بعدم وجود سيولة كافية لخدمة أو إعادة تمويل ديونها. وهذا يعني بالنسبة للمواطنين العاديين أن عليهم التخلص من السيولة النقدية. فالقوة الشرائية في تآكل مستمر. مع ضرورة تنوع المحافظ والأصول المالية للأفراد والدول ما بين أصول عينية وذهب وعملات مُشفّرة والتي يجب الحذر من تقلب أسعارها المستمر.

في ظل هذا الواقع تبحث بعض الشركات عن حلول جديدة للتمويل. مثل القروض المصرفية بدلاً من السندات. لكن الشركات ستظل بحاجة إلى الاقتراض من أجل الاستثمار. حيث يتطلب التحول للمكاسب إنفاقاً متواصلاً على المدى المتوسط إلى طويل الأجل.

يشكل الحد من المال الرخيص على مستوى العالم ضرورة حتمية لكبح جماح التضخم. لذلك فمن المتوقع تعطيل هذه السياسة حتى الوصول لمستويات مقبولة من التضخم. ولاحقاً يمكن العودة إليها تدريجياً في حال كانت الظروف الاقتصادية مناسبة وملائمة.

شَارِك المَقَال