شَارِك المَقَال

يعد فائض الحساب الجاري الذي يحققه الاقتصاد الروسي قضية استثنائية في ظل العقوبات الغربية الصارمة التي يفترض أن تضعه في أزمة اقتصادية. إلا أن العديد من المؤشرات الاقتصادية الروسية حققت تحسناً ملحوظاً كقيمة الروبل الروسي وصافي الحساب الجاري. فهل تحسن صافي الحساب الجاري يعد ميزة للاقتصاد الروسي أم قضية سلبية؟  وما أسباب ودلالات فائض الحساب الجاري الروسي؟

 

ما مفهوم الحساب الجاري؟

يعد الحساب الجاري من المفاهيم الرئيسة على مستوى الاقتصاد الكلي. ويشير إلى صافي الفرق بين صافي قيمة الإيرادات والتحويلات الرأسمالية الداخلة وبين صافي المدفوعات الخارجة مع التحويلات الرأسمالية الخارجية. ويعد أحد المؤشرات الرئيسة التي تقيس واقع التجارة الخارجية والتحويلات.

يحقق الحساب الجاري فائضاً عندما تفوق قيمة الإيرادات مع التحويلات الرأسمالية الداخلة قيمة المدفوعات مع التحويلات الرأسمالية الخارجة. والعكس صحيح. وغالباً ما يعد فائض الحساب الجاري مؤشراً إيجابياً والعجز سلبياً.

 

ما واقع الحساب الجاري الروسي الحالي؟

يعد الحساب الجاري الروسي موجباً بشكل عام. أي أنه يحقق فائضاً. وخلال الربع الأول من العام الحالي عزّز من قيمته من خلال تسجيله فائضاً تجاوز 95,8 مليار دولار. مقابل 27,5 في ذات الفترة من العام السابق. وهذا يعني أنه ارتفع أكثر من ثلاثة أضعاف. وهي أعلى قيمة لفائض الحساب الجاري منذ عام 1994م.

شهد فائض الحساب الجاري الروسي ارتفاعاً في ظل العقوبات الغربية الحادة المفروضة عليه. والمنطق الاقتصادي يقول هنا إن صافي الحساب الجاري وغيره من المؤشرات يجب أن تتراجع. إلا أنه تحسن. فهل لعبت العقوبات الاقتصادية دوراً سلبياً؟ أم أن صافي الحساب الروسي وهمي ولا يستند على تحسن اقتصادي روسي؟ أم أن الظروف الاقتصادية قد فرضته؟

 

ما الأسباب الحقيقية لارتفاع فائض الحساب الجاري الروسي؟

يحقق الحساب الجاري فائضاً في حال ارتفاع الصادرات وارتفاع التحويلات الرأسمالية الداخلة لدولة ما. أو في حال انخفاض الإيرادات أو انخفاض التحويلات الرأسمالية الخارجة أو بكلتا الحالتين. وهذا يتحقق في حال تطور صناعة البلد وتطور البيئة الاستثمارية فيه. وهو ما لم يتحقق أيّ منه في روسيا.

لفهم كيفية ارتفاع فائض الحساب الجاري الروسي لا بد من تحليل كلّ من الصادرات والواردات والتحويلات المالية الداخلة والخارجة. ففيما يتعلق بالصادرات فحوامل الطاقة تشكل عصب الصادرات الروسية. ومن الملاحظ هنا أن كمية الصادرات الروسية لم تزداد لكن الزيادة الحقيقية كانت في الأسعار.

بلغة الأرقام تراجعت كمية الصادرات الروسية من النفط. فمتوسط تدفقات النفط الخام المنقولة بحراً انخفض قرابة 2% ليسجل 3,56 مليون برميل. مقارنةً بمتوسط التدفق الخاص بالأسبوع الأخير في شهر أبريل الماضي. والذي سجل وقتها 3,62 مليون برميل يومياً.

إن مكاسب الحساب الجاري الروسي لم تكن بزيادة كمية الصادرات. بل من خلال ارتفاع الأسعار. فأسعار النفط مع بداية العام الحالي كانت بحدود 80 دولاراً. إلا أنها ارتفعت لأكثر من 120 دولاراً بعد الحرب. وهو ما عزّز مكاسب الحساب الجاري الروسي. فظروف الحرب عزّزت من مكاسب روسيا على مستوى الأسعار.

أما على مستوى الواردات والاستيراد فقد تراجعت بسبب العقوبات الغربية. وفيما يتعلق بالتدفقات الرأسمالية الخارجة فقد فرض البنك المركزي الروسي قيوداً صارمة على تحويل الأموال من روسيا إلى الخارج. وهو ما عزّز بدوره مكاسب الحساب الجاري.

 

هل فائض الحساب الجاري في صالح موسكو؟

في الحالة الطبيعية يكون فائض الحساب الجاري مؤشراً إيجابياً. لكنه في الحالة الروسية ليس كذلك. فاستمراره مرهون باستمرار ارتفاع أسعار النفط. وباستمرار قيود تحويل الأموال من روسيا. ففي حال انخفاض أسعار النفط والغاز أو رفع القيود عن تحويلات الأموال سيتراجع الفائض.

الحقيقة أن الاقتصاد الروسي لم يتحسن بل شهد تراجعاً حاداً. لذلك ففائض الحساب الجاري يعد حالة مؤقتة فرضتها الظروف الاقتصادية الدولية. فهو قضية خارجية وليست داخلية. وهذا يعني أن استمرار الفائض مرهون بالواقع السياسي والاقتصادي العالمي وليس بالاقتصاد الروسي ذاته.

شَارِك المَقَال