شَارِك المَقَال

يعد القرار الروسي ببيع الغاز إلى “الدول غير الصديقة” بالروبل الروسي أحد أهم تداعيات الحرب الاقتصادية الدائرة بين روسيا والغرب. وشكل القرار صدمة حادة في أسواق الطاقة الأوروبية فارتفعت أسعار الغاز المرتفعة أساساً. والسؤال هنا: ما الآثار الاقتصادية والاستراتيجية لقرار بيع الغاز الروسي بالروبل؟

القرار الروسي لا يمكن النظر له على أنه ردة فعل تقليدية على العقوبات الغربية على موسكو. فهو يحمل بين طياته تهديداً مباشراً وصريحاً للنظام الاقتصادي العالمي القائم حالياً. والذي يعتمد على الدولار كعملة عالمية رئيسة. وهذا القرار قد يكون سلاحاً ذا حدين. فإما أن يؤدي لعولمة حقيقية للروبل الروسي. أو قد يكون ضربة اقتصادية قاصمة لموسكو. وهذا ما يحتم دراسة وتحليل التبعات الحقيقية للقرار.

 

لماذا يعد الغاز الروسي ورقة موسكو الرابحة؟

في خضم الحرب الروسية الأوكرانية وفي ظل العقوبات الاقتصادية الغربية الخانقة على موسكو. شكّل الغاز الروسي إحدى أهم وسائل الرد الاقتصادي على أوروبا التي تستورد كميات كبيرة منه من روسيا. وهي وارادت مستمرة حتى الآن على الرغم من تواصل الحرب في أوكرانيا.

تعتمد أوروبا على روسيا في 40% من وارداتها من الغاز و 25% من نفطها. ويتم دفع 60% من تلك الواردات باليورو والباقي بالدولار. وبعد إعلان بوتين الأخير بات على مستوردي الغاز شراء الروبل ومن ثم دفعه لروسيا. وهو ما رفع سعر الروبل بنسبة 60% من أدنى مستوى له أمام الدولار.

بات على المستوردين الأوروبيين العثور على بنك يقوم باستبدال اليورو والدولار بالروبل. وهو أمر صعب في الوقت الحالي بعد العقوبات الغربية بعزل بعض البنوك الروسية عن نظام التحويلات SWIFT الذي يسهل المدفوعات الدولية.

وعلى الرغم من أن العقوبات الغربية كانت تهدف لتقويض الاقتصاد الروسي إلا أن هذا القرار كان بمثابة هجمة مرتدة على هذا الحصار الاقتصادي. حيث يحمي الاقتصاد الروسي من تبعات العقوبات الغربية وإن كان بشكل نسبي.

ليس هذا فحسب بل يمكن أن يزيد من اضطراب أسواق الطاقة وزيادة حالة عدم اليقين بشأن الإمدادات المستقبلية من تدفق العملات الأجنبية إلى النظام المصرفي الروسي الذي تسيطر عليه الدولة إلى حد كبير. كما ستكتسب موسكو سيطرة إضافية على تلك العملات التي أصبحت أكثر ندرة بعد أن جمدت الدول الغربية أكثر من نصف احتياطيات روسيا في الخارج.

من جهة أخرى قد يؤدي إصرار بوتين على موقفه إلى انقطاع إمدادات الغاز الطبيعي عن دول أوروبا. ومع تشعب خطوط الأنابيب فإن أي محاولة لتقييد التدفقات إلى بعض البلدان ستؤثر على الآخرين. بل إن مبيعات الطاقة والتي تشكل مصدراً رئيسياً لإيرادات موسكو قد تتأثر. وهو ما يعني خسارة موسكو في حال تشددها. فالقرار قد يكون في مصلحة روسيا شريطة عدم التشدد والمغالاة في تطبيقه. لذلك يمكن وصفه بأنه سلاح ذو حدين.

 

ما موقف دول الغرب من القرار الروسي؟

ترفض مجموعة الدول السبع الكبرى (اليابان والولايات المتحدة وكندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا) هذا الإعلان. لأن عقود استيراد الغاز طويلة الأجل وعملتها محددة منذ التعاقد. ولا يمكن لأحد الأطراف تغيير شروط التعاقد بين عشية وضحاها، هذا من الناحية القانونية.

إلا أنه من الناحية التطبيقية قد يكون من المتعذر فرض تطبيق شروط العقود على موسكو في الوقت الراهن. وبالتأكيد فإن الدول الأوروبية ستتجنب المقاطعة الكاملة للنفط والغاز الروسي. وأقصى ما يمكن اتخاذه من قرارات تقليل الواردات على مدى السنوات القادمة من خلال الادخار والاعتماد على مصادر أخرى. علاوةً على التحول إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

 

ما آثار القرار الروسي على النظام الاقتصادي الدولي؟

يشكل القرار الروسي خرقاً نسبياً وجزئياً للنظام الاقتصادي الدولي السائد. خاصة لناحية كون الدولار عملة العملات ووسيلة الدفع العالمية الأكثر اعتماداً. ولكنه لا يرقى بالفعل ليكون تهديداً حقيقياً للنظام الاقتصادي العالمي ولا لمكانة الدولار الدولية.

في النهاية إن الدولار يستند على قاعدة قوية سياسية واقتصادية وحتى عسكرية. ومن الصعب تهديد هذه المكانة. فالقرار لا يعدو كونه محاولة للالتفاف على العقوبات الغربية. لا سيما فيما يتعلق بتجميد الأرصدة الروسية في الخارج وعزل البنوك الروسية عن نظام سويفت المالي.

شَارِك المَقَال