شَارِك المَقَال

يعد القرار التركي الأخير بتسديد جزء من وارداتها من الغاز الروسي بالروبل أحد أبرز الأحداث الاقتصادية مؤخراً. والذي تتسع آثاره ليكون له تداعيات سياسية وحتى استراتيجية. ومن شأنه خلط بعض الأوراق في المنطقة وحتى العالم. لا سيما أن تركيا إحدى الدول الرئيسة في حلف الناتو. فالقرار التركي قد يكون له تأثير على العديد من القضايا الساخنة في العالم وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية. والسؤال هنا: ما الأثر الاقتصادي الإقليمي والدولي لإعلان تركيا تعاملها بالروبل مع روسيا؟

 

ما طبيعة العلاقات الاقتصادية والسياسية بين روسيا وتركيا؟

سبّب الغزو الروسي لأوكرانيا استقطابياً دولياً حاداً لم يشهده العالم منذ الحرب الباردة. إلا أن الموقف التركي من هذه الحرب اتسم بالحياد. ويعود الحياد التركي لأسباب سياسية واقتصادية واستراتيجية. فروسيا شريك اقتصادي رئيس لتركيا. كما أن تركيا تعتمد بشكل واضح على حوامل الطاقة الروسية. حيث حصلت العام الماضي من موسكو على 25% من احتياجاتها من النفط و45% من الغاز الطبيعي. لذلك فالموقف السياسي لتركيا من الحرب الأوكرانية يسعى للتهدئة وليس للتصعيد فتركيا كانت من المتضررين من هذا الصراع.

هذا على الصعيد السياسي. أما على الصعيد الاقتصادي فالبلدان يسعيان لتعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما. والتي تعد بطبيعة الحال مزدهرة. حيث بلغ حجم التجارة بين البلدين في عام 2021م إلى 33 مليار دولار. وارتفع هذا العام بنسبة 110%. وحقق بالربع الأول زيادة قدرها 13.7 مليار دولار. ويسعى البلدان لرفع قيمة التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030م.

 

ما الدوافع التركية لقبول سداد ثمن الغاز بالروبل؟

صحيح أنه لم يتم الإعلان عن حجم الغاز الذي سيتم دفع ثمنه بالروبل. لكن هذا القرار سيساعد أنقرة على تجنب دفع ثمن الغاز بالدولار ومن ثم حماية احتياطاتها. بعد أن أنفقت 10 مليارات دولار العام الماضي لدعم الليرة التي فقدت 55% من قيمتها خلال العشرة شهور الأخيرة. كما أن الحد من خسارة الاحتياطات الأجنبية قد يساعد على تقليل معدل التضخم الذي اقترب من 80%. فالقرار يعد دعماً لمؤشرات الاقتصاد التركي وذلك من وجهة نظر أنقرة.

أما فيما يتعلق بالدوافع الروسية فهو يساعد موسكو على تجنب القيود على المعاملات بالدولار التي تحاول الولايات المتحدة فرضها على البنوك العالمية. وتجهض محاولات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الحد من قدرة موسكو على مواصلة حربها ضد أوكرانيا. أضف إلى ذلك أن التعامل بالروبل سيدرّ دخلاً كبيراً لكل من تركيا وروسيا. ومع تعامل 5 بنوك تركية بنظام مير المصرفي الروسي سوف تتحسن ظروف إقامة السياح الروس في تركيا. حيث سيكونون قادرين على إجراء عمليات الشراء والتسوق ودفع ثمن الإقامة بالفنادق.

 

ما التأثير الإقليمي للقرار؟

يؤدي هذا القرار إلى تعاظم أهمية تركيا في المحيط الإقليمي لها. حيث تعد من خلال تركيش ستريم -خط أنابيب الغاز الذي يربط بين البلدين عبر البحر الأسود- شرياناً رئيسياً لإمداد الغاز لأوروبا. وعلى عكس جميع الطرق الأخرى يعمل بشكل صحيح وديناميكي. كما أصبحت تركيا نقطة عبور رئيسية للبضائع القادمة من آسيا والمتجهة إلى روسيا في مواجهة خروج الشركات الغربية من روسيا. علاوة على تزايد أهميتها كونها واحدة من الوجهات الرئيسية للسياح الروس والأوروبيين على حد سواء. لتكون نقطة تلاقٍ حقيقية بين روسيا وأوروبا.

سياسياً أصبح التحالف بين أنقرة وموسكو تعظيماً لقوة كلّ منهما على المستوى الإقليمي. صحيح أن طموحاتها الجيوسياسية تسببت بتوترات مع الغرب. إلا أن علاقتهما معاً منحتهما قوة في مواجهته. حيث يمكن استيعاب الخلافات الفردية مقابل تأثير أقوى على المحيط الإقليمي خاصة في الملف السوري.

 

ما التأثير الدولي للقرار؟

يساهم هذا القرار في تقوية موقف أنقرة في علاقاتها مع أوروبا والغرب ودعم الموقف الروسي في حربه مع أوكرانيا. وهو ما يمكن ملاحظته بتخفيف الولايات المتحدة وأوروبا من نبرتهما العدائية تجاه أردوغان. بعد نجاحه في الوساطة في ملف الحبوب الأوكرانية وتوقف سيل التصريحات العدائية تجاه بوتين.

يمنح هذا القرار تركيا القدرة على استبدال طائرات الـ F16 الأمريكية بأخرى روسية. بعد مماطلة واشنطن في تمرير الصفقة. كما يمكن أن يكون هذا الاتفاق ورقة ضغط تركية لتحقيق أهدافها بالانضمام للاتحاد الأوروبي. فتركيا أصبحت الدولة الأوروبية الوحيدة التي تتعامل بهذا المستوى مع روسيا بوتين.

يبدو القرار كأنه اختراق حقيقي من قلب الناتو. فتركيا تبدو على أنها تدعم موسكو في مواجهة الغرب. وإن كان القرار التركي لا يستهدف تحدي الغرب. بقدر ما يسعى لخدمة المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للدولة التركية.

شَارِك المَقَال