شَارِك المَقَال

لعل أكبر عداء تاريخي يجمع بين تركيا ودولة أخرى هو العداء مع أرمينيا. حيث تعود المشاكل بينهما لجذور تاريخية قديمة. لكن يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد تغييرات كبيرة في العلاقة. فالدولتان اتفقتا على التطبيع وبدء تجارة جوية مباشرة بينهما بأقرب وقت ممكن. فمنذ عام 1993م لا توجد أي علاقة دبلوماسية أو تجارية بين البلدين. منذ أن أغلقت الأولى الحدود البرية المشتركة بين البلدين تضامناً مع أذربيجان. بعد احتلال أرمينيا لمنطقة كالباجار الأذربيجانية. لكن التطبيع القريب وفتح الحدود بين البلدين يفتح بدوره الباب أمام مكاسب سياسية واقتصادية للبلدين.

 

ما مكاسب تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا؟

يحقق تطبيع العلاقات جملة من المنافع والمكاسب لكلا البلدين. فالمكسب الأول أن التطبيع يساعد في دعم جهود أنقرة المستمرة لتوطيد العلاقات السياسية والاقتصادية مع جمهوريات آسيا الوسطى. ومِن ثَم تعزيز التجارة بين الصين وتركيا من خلال دول آسيا الوسطى. ويرفع من حظوظ أنقرة أن تنال نصيباً من عوائد مشروع الحزام والطريق الصيني.

المكسب الثاني أن تطبيع العلاقات سيقود إلى تحسين علاقة أنقرة مع الغرب. والذي يرحب بالتطبيع بين تركيا وأرمينيا على أمل أن تؤدي هذه الخطوة إلى تقليل نفوذ روسيا في جنوب القوقاز وتقليل اعتماد أرمينيا على إيران. خاصة أن الرئيس الأمريكي جو بايدن طلب من تركيا فتح الحدود مع أرمينيا.

المكسب الثالث يتضمن الاعتماد على طرق تجارية أقصر بين تركيا ودول العالم. خاصة مع أزمة سلاسل التوريد العالمية. والتي تفاقمت عقب جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية والتي عطلت خطوط اتصالات بالسكك الحديدية في وسط آسيا. وهذا المكسب ينسحب بشكل مباشر على أرمينيا. حيث أدى اعتمادها على جورجيا فقط إلى تأخير الصادرات الأرمينية إلى روسيا. ومن ثَم إلحاق ضرر كبير باقتصاد البلاد المتعثر بالفعل. وخلال الفترة الأخيرة أظهرت حرب كاراباخ عام 2020م مع أذربيجان أن أرمينيا لا تستطيع الاعتماد على روسيا فقط بل تحتاج لعلاقات متوازنة مع دول عدة.

 

المكسب الرابع أن أرمينيا تحتاج بشدة إلى فتح الحدود مع تركيا. وهو ما سيوفر للأخيرة الفرصة لاستغلال موانئها على البحر الأسود بالشكل الأمثل. فهي الوحيدة القادرة على كسر عزلة أرمينيا من خلال طريق مباشر إلى أوروبا. ومن ثم تعزيز التجارة الثنائية بين تركيا وأرمينيا بل والعديد من دول العالم.

 المكسب الخامس من خلال التطبيع مع أرمينيا توفر تركيا بديلاً لإيران وتنشئ روابط نقل جديدة محتملة. ففي الوقت الحالي توفر إيران الجسر البري الوحيد بين أذربيجان وتركيا. حيث تعد طريقاً حيوياً للبضائع التركية المتجهة إلى أذربيجان. لكن مع فتح الحدود مع أرمينيا فإن الوضع سيختلف بالتأكيد لصالح تركيا.

المكسب السادس يتمثل في جذب السياحة الأوروبية القادمة إلى أرمينيا لتركيا. وذلك بعد فتح الحدود البرية بين الدولتين لمواطني أي دولة ثالثة يزورون البلدين. وهو ما يعني تسهيل دخول سائحي أرمينيا إلى تركيا والعكس صحيح. فضلاً عن استئناف الرحلات الجوية بينهما بعد توقف دام عامين.

بصفة عامة تشمل مكاسب تطبيع العلاقات الجانبين الاقتصادي والاستراتيجي. وهذا التطبيع بين البلدين ينسجم مع التوجه العالمي لتهدئة أي جبهة مشتعلة أو مهيأة للصدام. لأن أي توتر إضافي في أي مكان في العالم لا بد أن يترك صداه على العلاقات الدولية المتوترة أساساً جراء الحرب الروسية على أوكرانيا.

شَارِك المَقَال