شَارِك المَقَال

يمكن اعتبار تدمير جسر القرم أو “جسر كيرتش” نقطةً مهمةً في الحرب الروسية الأوكرانية. بعد أن حرم موسكو من خط الإمداد الأول لقواتها المتمركزة في خيرسون. بالإضافة إلى تداعيات وتأثيرات أخرى أحدثها هذا التدمير الجزئي المفاجئ على سير الحرب. وهذا ما يتطلب دراسة معمقة لأهمية هذا الجسر ولتداعيات تدميره.

 

ما الأهمية الاستراتيجية لجسر “كيرتش”؟

افتتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجسر في 15 مايو 2018م. حيث قاد بنفسه شاحنة في حفل الافتتاح. ويعد هذا الجسر مشروعاً استراتيجياً تم التخطيط له منذ عصر القياصرة. مروراً بأربعينيات القرن الماضي. ونهايةً بالتنفيذ الفعلي نهاية العقد الماضي.

الجسر عبارة عن طريق بري ومسار للسكك الحديدية بطول 19 كم. ويقع فوق مضيق كيرتش الذي يربط بين البحر الأسود وبحر آزوف الأصغر. وهو الرابط المباشر والوحيد بين روسيا وشبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو من أوكرانيا عام 2014م.

شيدت الجسر شركة أركادي روتنبرج إحدى الشركات الأولجارشية المؤيدة لبوتين بتكلفة 6 مليارات دولار. وتعود أهميته لكونه مصدر الإمداد الأول لشبه جزيرة القرم بالوقود والمواد الغذائية. وتضاعفت أهميته خلال الحرب حيث بات طريق مرور القوات الروسية للهجوم على مدن خيرسون وزابوريجيا.

 

ما دلالات تفجير الجسر؟

الدلالة الأولى معنوية في المقام الأول. حيث يعد تدمير الجسر وإن كان جزئياً ضربةً قاسيةً لموسكو. لا سيما بعد أن هدّد بوتين باستخدام السلاح النووي للدفاع عن المناطق الأوكرانية الأربعة التي تم ضمها مؤخراً. وهو رسالة واضحة من كييف بأنها لا تخشى تلك التهديدات.

الدلالة الثانية تأكيد على قدرة أوكرانيا العسكرية بأن ذراعها طويلة بما يكفي ليس فقط للدفاع عن أراضيها. بل بتوجيه ضربات موجعة لموسكو بأهم طرقها الاستراتيجية. كما يزيد من تأثير الضربة أنها جاءت وسط سلسلة من الهزائم القاسية على الجبهتين الشرقية والجنوبية في أوكرانيا.

الدلالة الثالثة معنوية وذلك نظراً لكون تفجير الجسر قطع الاتصال البري بين الأراضي الروسية وشبه جزيرة القرم. وهذه رسالة بأن جزيرة القرم ليست بمنأى عن الهجمات الأوكرانية. وبالتالي فإن ضم موسكو لشبه الجزيرة لم يَحْظَ بقبول أوكراني حتى الآن.

 

ما تداعيات تفجير الجسر على سير الحرب؟

أبرز تداعيات تفجير الجسر من الجانب العسكري هي حرمان الروس من خط الإمداد اللوجستي الرئيسي. ليس فقط لقواتهم في شبه جزيرة القرم. ولكن أيضاً في أماكن أخرى جنوب أوكرانيا. حيث تراجعت القوات الروسية في الأيام الأخيرة.

يأتي حرمان الروس من تلك الإمدادات في وقت تزداد فيه حاجة موسكو لها. وفي ظل تزايد حركة المرور العسكرية المتوجهة عبر الجسر إلى شبه جزيرة القرم. حيث سارعت روسيا بالدبابات ومعدات المدفعية إلى الخطوط الأمامية في منطقة خيرسون. بعد أن صعَّدت القوات الأوكرانية هجومها المضادّ في المنطقة.

صحيح أن هناك خط إمداد آخر من البر الرئيسي لروسيا. أبرزها خط القطار إلى ميليتوبول. إلا أنه يتعرض أيضاً لضغوط أوكرانية متزايدة. وبدون ذلك الجسر سيكون الجيش الروسي محدوداً في قدرته على إمداد الوقود والمعدات والذخيرة للوحدات التي تقاتل في منطقتي خيرسون وزابوريجيه.

كما أن نقل الإمدادات عن طريق السفن أو الطائرات إلى القرم سيكون أكثر تعقيداً. وسيكون أي طريق إمداد بري بديل محتمل باستخدام الأراضي الجنوبية الأوكرانية التي استولت عليها القوات الروسية عرضةً للهجوم الأوكراني. إضافةً إلى أن طريق الشحن هذا يعد أكثر تكلفةً وخطورةً.

علاوةً على أن الانفجار يزيد من حالة الفوضى في الجيش الروسي. ويضعف الروح المعنوية للمقاتلين الروس. خاصةً أنه أظهر القوات الروسية غير قادرة على حماية الجسر على الرغم من أهميته الشديدة في الحرب. فما بالك بقدرتها على الدفاع عن المدن التي استولت عليها. ولعل تغيير قائد القوات الروسية بأوكرانيا خلال الآونة الأخيرة كان نتيجةً مباشرةً لهذا التفجير.

أما بالنسبة لأوكرانيا فإن الانفجار ليس بالضرورة انتصاراً حاسماً. ولكنه قرار شجاع ودليل على قدرات عسكرية دقيقة وقوية للجيش الأوكراني. إضافةً لكونه دليلاً على فاعلية الدعم الغربي لأوكرانيا.

 

ما رد الفعل الروسي المتوقع؟

حتى الآن اكتفت روسيا بغارات جوية على بعض المدن الأوكرانية. لكن لا يزال العديد من المسؤولين والمدونين العسكريين والسياسيين الروس يدعون إلى الانتقام. حيث يرى الروس أن أي شيء أقل من الرد “القاسي للغاية” يعد ضعفاً.

من المتوقع أن تقوم القوات الروسية بتصعيد عسكري من خلال زيادة وتيرة القصف الجوي والصاروخي على البنية التحتية الأوكرانية. وعموماً من المستبعد أن تقوم موسكو بتصعيد أكبر. فاستخدام السلاح النووي التكتيكي مستبعَد في الظروف الحالية. وروسيا تعي جيداً أن استخدام السلاح النووي قد يقود لحرب نووية عالمية. وهو ما لا يرغب به أحد.

شَارِك المَقَال