شَارِك المَقَال

شهدت علاقة الدولار بالذهب عدة محطات وتغيرات عدة. بدءاً من قاعدة المعدنين التي سادت لقرون طويلة. ولاحقاً قاعدة الذهب مع بداية القرن العشرين. والتي تم تعديلها عام 1944م وفقاً لاتفاقية بريتون وودز. والتي تم إلغاء العمل بها عام 1971م بما يعرف بصدمة نيكسون. ولهذا الأمر إيجابيات قليلة وسلبيات واسعة. والسؤال هنا: ما تقييم فك ارتباط الدولار بالذهب بين الإيجابيات والسلبيات؟

 

ما طبيعة العلاقة بين الذهب والدولار؟

في ظل قاعدة الذهب كان الذهب هو الناظم لقيمة الدولار. والذي بدوره كان ناظماً لقيمة باقي العملات. فعلاقة الدولار بالذهب كانت مباشرةً. بينما علاقة باقي العملات بالذهب كانت غير مباشرة. وهذا الأمر ضمن استقراراً نسبياً في قيمة العملات. وحافظ على معدلات تضخم مقبولة. لا سيما في ظل سيطرة جيدة على المعروض النقدي في مختلف الاقتصادات العالمية.

لكن بعد إنهاء العمل بقاعدة الذهب تحول الذهب من ناظم رئيس لسوق النقد العالمي إلى سلعة عادية مقوّمة بالدولار. وهذا ما سبَّب خللاً في سوق النقد. فالخصائص الكيميائية والفيزيائية والاقتصادية للذهب مكَّنته من لعب دور ناظم لسوق النقد. بينما الدولار لا يمتلك خصائص الذهب. فهو عملة قانونية لا قيمة لها بحد ذاتها بل يستمد قيمته من قبول الحكومات له.

بعد صدمة نيكسون بات الدولار يُقوَّم وفقاً لقوى السوق ولقانون العرض والطلب. وباتت العملات المحلية في كل دول العالم تُقوَّم أيضاً بذات القوى. وهو ما سبَّب تذبذبات حادة في أسعار بعض العملات.

 

ما إيجابيات إلغاء قاعدة الذهب؟

بعد إلغاء قاعدة الذهب باتت الاقتصادات العالمية تمتلك حرية نقدية أوسع. فقانون الحفاظ على قيمة العملة الوطنية ضمن هامش زيادة أو نقصان لا يتعدى 10% لم يعد سارياً. وبالتالي باتت السياسات النقدية للبنوك المركزية أكثر مرونة وفاعلية.

كما باتت خيارات الحكومات لتمويل عجز ميزانياتها أوسع. وذلك في ظل الإصدار النقدي الحر. فباتت البنوك المركزية لها قدرة تامة على طباعة النقد بدون أي قيود. وهو ما عزز من مرونة الاقتصاد. كما تمكنت الدول من التحكم في قدرة اقتصادها على التصدير والاستيراد في ظل قدرتها العالية على التحكم في سعر صرف عملاتها.

 

ما سلبيات إلغاء قاعدة الذهب؟

سبّب إلغاء قاعدة الذهب عدَّة سلبيَّات على مستوى الاقتصاد العالمي. وعلى مستوى اقتصادات الدول. فعلى المستوى العالمي فقد النظام الاقتصادي الدولي ناظمه الرئيس وبات محكوماً بالدولار. والذي لا يمتلك قيمة اقتصادية ذاتية. بل يعد شكلاً من أشكال النقود القانونية. وهو ما يجعل الاقتصاد الدولي عرضة للأزمات النقدية.

على مستوى اقتصادات الدول. باتت قضية التضخم مشكلة رئيسة تعاني منها غالبية الدول. خاصةً في ظل العجز عن التحكم في قوى العرض والطلب على النقود. وهو ما شكَّل بنية اقتصادية ملائمة للتضخم وعجزاً نسبياً لدى البنوك المركزية للتحكم بقيمة العملات.

شكَّل التمويل بالعجز المتبع في ظل قانون الإصدار النقدي الحر صدمةً للأسواق. وهو ما يعد تمويلاً للدورة الاقتصادية برأس مال وهمي. وهذا ما عزّز من مخاطر التسبب بأزمات مالية واقتصادية. خاصةً أن بعض الدول باتت مضطرة للمغالاة باستخدام مصدر التمويل هذا.

سبب تنامي الإصدار الحر تصاعداً في سوق المضاربة على العملات. والذي بات مصدراً رئيساً للدخل. وهذه المضاربة تعد من أشكال الاقتصاد الوهمي. والذي يستهلك جزءاً مهماً من الموارد النقدية العالمية. كما عزز هذا الواقع من استخدام النقد كسلاح اقتصادي. من خلال حرب المضاربة على العملات والضغط على الدول من خلال الضغط على عملاتها الوطنية.

بالمقارنة بين إيجابيات وسلبيات إلغاء قاعدة الذهب تبدو الكفة راجحة للسلبيات. فالضغوط الاقتصادية التي سبّبها هذا الإلغاء تفوق الإيجابيات. فسوق النقد العالمي المفتقد لناظم رئيس يتمتع بخصائص ذاتية تحميه من التذبذب بات عرضةً لأزمات اقتصادية حادة. وهو ما يجعل الاقتصاد العالمي هشاً للغاية.

شَارِك المَقَال