شَارِك المَقَال

قام البنك الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة بشكل متتالٍ. وبقيمة هي الأعلى منذ أكثر من عقدين. إذ قام برفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة. وعلى الأغلب سيكون هناك ارتفاعات جديدة. وذلك بهدف رئيس يتمثل بعلاج مشكلة التضخم والذي بلغ 8.6%. وهو أعلى معدل للتضخم خلال أربعين عاماً. ولكن على الرغم من أن رفع سعر الفائدة قد يسهم في الحد من ارتفاع التضخم. إلا أنه قد يسبب آثاراً سلبية على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.

 

ما الجدوى الفعلية لرفع سعر الفائدة؟

في الحقيقة رفع سعر الفائدة كان في جوهره لعلاج مشكلة التضخم. لا سيما أن معدل التضخم الفعلي يفوق بدرجة كبيرة المعدل المخطط له. وهو 2%. ومعدل التضخم هذا كان مرشحاً لمزيد من الارتفاع. كما أنه ترك آثاراً سلبية على مختلف المؤشرات الاقتصادية. بدءاً من تراجع القدرة الشرائية للدخول وعرقلة السياسات الاقتصادية الحكومية. إضافةً لآثاره الاجتماعية.

فيما يتعلق بأسباب التضخم فهو يعود لأسباب عدة. منها تداعيات أزمة كورونا والإغلاق الاقتصادي وما تلاه من حزم تحفيز اقتصادي. والتي بلغت قيمتها 4 تريليونات دولار. وهو ما سبب زيادةً حادةً في المعروض النقدي في السوق الأمريكية وحفّز من ارتفاع التضخم. كما ساهمت أزمة سلاسل التوريد في ارتفاع التضخم. نتيجة زيادة تكاليف مدخلات الإنتاج وزيادة تكاليف الشحن. وهو ما انعكس زيادةً في أسعار المنتجات النهائية وبالتالي تحفيز إضافي للتضخم.

كما تعد الحرب الروسية الأوكرانية أحد أسباب ارتفاع التضخم. من خلال عدة جوانب منها ارتفاع أسعار حوامل الطاقة. والذي ساهم بشكل مباشر في ارتفاع تكاليف الإنتاج. وبالتالي ارتفاع الأسعار وتعمق أزمة سلاسل التوريد. كما أن النقص الحاد في إمدادات الغذاء العالمية ساهم في ارتفاع الأسعار وتعمق أزمة التضخم.

ما الآثار الإيجابية والسلبية لرفع سعر الفائدة؟

يعد رفع سعر الفائدة من الحلول التقليدية لمعالجة التضخم. ويعد أيضاً من الحلول الفعالة والسريعة نسبياً. فهو يسهم في تقليل المعروض النقدي في السوق. من خلال عدة أدوات. منها الضغط على الإقراض. فعمليات الإقراض تتراجع في ظل الفائدة المرتفعة. كما يزداد الميل الحدي للإيداع. وهو ما يسهم في الحد من الاستهلاك. وبالتالي الضغط على الطلب. والذي بدوره يسهم في الحد من ارتفاع الأسعار والتضخم.

بالتزامن مع الأثر الإيجابي لرفع سعر الفائدة على التضخم. فإنه يترافق بأثر سلبي على مؤشرات اقتصادية أخرى. أبرزها معدل النمو الاقتصادي والركود. فرفع سعر الفائدة يعد عاملاً سلبياً على مستوى النمو الاقتصادي. كما يعد عاملاً داعماً للركود الاقتصادي.

رفع سعر الفائدة يعالج التضخم من خلال لجم الطلب. لكن الضغط على الطلب يعرقل الدورة الاقتصادية. كما أن تراجع الكتلة النقدية في السوق يسهم في الحد من الاستهلاك. وبالتالي يتراجع الطلب الكلي. وهذا يعني تراجعاً في التضخم وتراجعاً في معدل النمو الاقتصادي في ذات الوقت وتحفيزاً للركود الاقتصادي.

ما مخاطر رفع سعر الفائدة على الاقتصاد الأمريكي؟

لقد بات من شبه المؤكّد أن الاقتصاد الأمريكي ومِن ورائه الاقتصاد العالمي يتجه نحو الركود. وهذا يعود لعدة أسباب. يأتي في مقدمتها رفع سعر الفائدة. وفي حال الركود ستتأثر عدة مؤشرات اقتصادية بهذا الأمر. فمن المتوقع ارتفاع معدل البطالة. وتراجع معدل النمو الاقتصادي. وتراجع مستوى الدخل السائد. وتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

يتفرد سعر الفائدة الأمريكي بأنه ذو تأثير عالمي. فبعد رفع الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة عدة مرات قامت غالبية البنوك المركزية في العالم بذات الأمر. وذلك لحماية اقتصاداتها من هجرة المال الساخن. ومن تصاعد قيمة ديونها الخارجية المقومة بالدولار. وفي ذات الوقت باتت في خطر من ركود اقتصادي محتمل.

ما العلاقة بين سعر الفائدة ومؤشر أسعار المستهلك؟

يعد مؤشر أسعار المستهلك معبراً مباشراً عن التضخم. وغالباً ما يُقاس التضخم من خلال نسبة التغير في مؤشر أسعار المستهلك. لذلك ومن خلال رفع سعر الفائدة والذي يسبب تراجعاً في التضخم. فإن ذلك يترافق حكماً بتراجع قيمة مؤشر أسعار المستهلك. وهذا الأمر يعد إيجابياً. لكنه غالباً ما يترافق بضغط اجتماعي يظهر في وقت لاحق. يتمثل بانخفاض القيمة الاسمية للدخول نتيجة الركود الاقتصادي.

كيف تتم المفاضلة بين رفع سعر الفائدة وتخفيضه؟

يشكل سعر الفائدة أحد أكثر الأدوات النقدية والمالية فاعلية في التحكم بالاتجاه الاقتصادي العام. وهنا تكون البنوك المركزية أمام عدة خيارات. إما رفع سعر الفائدة وتحمّل تبعات الركود الاقتصادي. أو خفضه وتحمل تبعات التضخم. واتخاذ القرار هنا يكون استجابة للبنية الهيكلية للاقتصاد وللظروف الاقتصادية الحالية.

غالباً ما تعد معالجة الركود وتراجع معدل النمو الاقتصادي أسهل من معالجة التضخم. لذلك تفضل الحكومات التعامل مع الآثار السلبية للركود بدلاً من تحمل تبعات التضخم. وهنا من الضروري الإشارة إلى أن النمو الاقتصادي في ظل التضخم لا يكون دائماً نمواً حقيقياً. بل قد يكون نمواً وهمياً ناجماً عن ارتفاع الأسعار.

في الحقيقة من الصعب وصف سياسة رفع سعر الفائدة أو تخفيضه بأنه سياسة صحيحة أو خاطئة. فقد تكون ذات السياسة النقدية صحيحةً في شروط وظروف اقتصادية محددة وغير صحيحة في ظروف أخرى. فالعبرة في الفاعلية بتناغم السياسة النقدية مع الظروف الاقتصادية السائدة.

شَارِك المَقَال