شَارِك المَقَال

قد يكون الاتفاق الإسرائيلي اللبناني الأخير بشأن ترسيم الحدود البحرية وحقول الغاز تاريخياً للدولتين. لا سيما أنه يأتي بعد تاريخ طويل من النزاع على الحدود البرية والبحرية. وبخلاف ذلك البعد التاريخي فالاتفاق له العديد من التداعيات والعوائد على كلا البلدين. وهو ما يتطلب دراسةً لتفاصيل الاتفاق وتحديد تداعياته على طرفيه. والسؤال هنا: ما عوائد الاتفاق الإسرائيلي اللبناني على الدولتين والعقبات التي تقف في طريقه؟

 

ما تفاصيل الاتفاق الإسرائيلي اللبناني؟

ينص الاتفاق على السماح لإسرائيل بإنتاج الغاز الطبيعي من خزان كاريش البحري المتنازع عليه مع لبنان. والذي يحتوي على 2-3 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي و44 مليون برميل من السوائل. مقابل السماح للبنان باستغلال حقل قانا المتنازع عليه أيضاً والمقدر احتياطاته بـ 25 تريليون قدم مكعب.

سوف تسمح إسرائيل للبنان بإنتاج الغاز من حقل قانا. لكنها ستحصل على رسوم مقابل أي غاز يستخرج من المناطق الواقعة في مياهها الإقليمية. وبموجب الاتفاقية سيتم تقسيم المياه الإقليمية على الخط الممتد من حقل قانا. حيث تتنازع الدولتان على تلك المساحة (860 كيلو متراً مربعاً). مع ترك “خط عوامة” الحدودي القائم حالياً.

الاتفاق تم بعد عدة سنوات من المحادثات بين الجانبين توسطت فيها الولايات المتحدة. والاتحاد الأوروبي الذي يضغط هو الآخر من أجل الحصول على كل متر غاز ممكن من أي حقل على وجه الأرض. وهو ما يتضح من خلال سرعة إرسال وفد من شركة توتال الفرنسية من أجل البحث والتنقيب بحقل قانا اللبناني.

من المتوقع عرض المسودة النهائية للاتفاق على حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية للموافقة عليها قبل انتخابات 1 نوفمبر. ومن المتوقع أن يوافق مجلس الوزراء على الاتفاق من حيث المبدأ. ثم إحالته للبرلمان للمراجعة لتمنح الحكومة الإسرائيلية الموافقة الرسمية النهائية.

 

ما عوائد الاتفاق على الطرفين؟

في الواقع تحقق إسرائيل الكثير من الفوائد بهذا الاتفاق. أولها تعزيز إنتاج الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط. لا سيما في ظل ارتفاع الطلب الأوروبي عليه. وفي ظل ارتفاع أسعار الغاز لمستويات قياسية لأكثر من 1000 دولار للألف متر مكعب. وهو ما يعني ضخ المليارات في الاقتصاد الإسرائيلي.

على الرغم من أن حقل كاريش صغير نسبياً من حيث الإنتاج. إلا أن توصيله بشبكة الإنتاج العالمية تطور مُرحَّب به مِن قِبَل حلفاء إسرائيل في الغرب. خاصةً بعد ارتفاع إنتاج الغاز الإسرائيلي بنسبة 22% هذا العام. نتيجةً لتقليص أوروبا اعتمادها على الطاقة الروسية والبحث عن بديل.

 

الفائدة الثانية ضمان استقرار الحدود الشمالية لإسرائيل. فمشاركة حزب الله بالاتفاق إنجازٌ للسياسة الإسرائيلية. فهي بذلك تضمن تحييده. وتفكيره مرتين قبل الإقدام على الهجوم على حقولها بالبحر المتوسط. بعد أن بات للبنان حصة بها. كما أن الاتفاق قد يكون تمهيدًا لإنهاء حالة الحرب مع لبنان والمستمرة منذ عقود.

أما فيما يتعلق بعوائد لبنان فهو يعاني من أزمة مالية قاسية. وصلت لحد الإفلاس. وهي بحاجة لكل دولار ممكن. ومع السماح لها باستغلال وتطوير حقل قانا. من المتوقع أن تحصل على عوائد سريعة تبلغ مليارات الدولار. خاصةً مع التعاون الفرنسي من خلال شركة توتال إنرجي التي بدأت بالفعل مناقشة التنقيب الفوري عن الغاز.

 

ما العقبات التي تقف في طريق الاتفاق؟

بدأت المحادثات بشأن هذا الاتفاق في عام 2020م. لكنه واجه نكسات متكررة بسبب الاعتراضات والتهديدات المتكررة. سواء من جانب حزب الله اللبناني أو اعتراضات اليمين الإسرائيلي. وهذه النكسات قد تعوق إتمامه أو استمراره.

أولى العقبات تهديدات حزب الله الذي رفض بدء إسرائيل الإنتاج من حقل كاريش دون اتفاق نهائي. فبعد أن جلبت إسرائيل سفينة إنتاج غاز لحقل كاريش الصيف الماضي أطلق حزب الله طائرات بدون طيار باتجاهها. ولكن أسقطتها تل أبيب.

لكن مع زيادة الضغوط الاقتصادية. ووصول لبنان لحد الإفلاس التام. أعلن حزب الله موافقته على الاتفاقية. متضامناً مع حكومة بلاده. غير أنه هدّد باستخدام أسلحته لحماية الحقوق الاقتصادية للبنان. وهو ما يزعج الحكومة الإسرائيلية بلا شك.

العقبة الثانية أن الموافقة الإسرائيلية ليست مضمونةً. فاليمين بقيادة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو يرفض الاتفاقية التي يعتبرها “استسلاماً تاريخياً” لحزب الله. ويرى أن حكومة تصريف الأعمال ليس لديها سلطة للتوقيع على مثل هذا الاتفاق المهم. وتعهّد بإلغاء الصفقة إذا أعيد انتخابه.

كما قدمت عدد من الجهات والمؤسسات البحثية الإسرائيلية المحافِظة ذات النفوذ في الدولة العبرية طعناً أمام المحكمة العليا. في محاولة لعرقلة الصفقة. حيث يرون أن الاتفاقية تتطلب موافقة البرلمان. ويتهمون الحكومة بالتسرع في اتفاق بسبب ضغوط حزب الله.

في النهاية من المتوقع أن يتم اعتماد الاتفاق بشكل نهائي. وذلك نتيجة للدعم الأمريكي والأوروبي للاتفاق. إضافةً لكون لبنان لا يملك مرونةً اقتصاديةً كافية تسمح له برفض الاتفاق. وفي الأشهر القليلة القادمة سيتبين مستقبل الاتفاق بشكل نهائي.

شَارِك المَقَال