شَارِك المَقَال

تتعقد قضية الدين الأمريكي. خاصةً بعد أن بلغ مستوى الدين عتبةً قياسيةً. وهو ما يهدد بأزمة سياسية واقتصادية أمريكية. قد يكون لها صدًى دولي. وقد تؤثر على مكانة الدولار كعملة دولية. وذلك في حال عدم توافق الديمقراطيين والجمهوريين على صيغة مشتركة لحل هذه القضية.

ما جذور الدين الأمريكي وفكرة سقف الدين؟

نشأ الدين الأمريكي مع نشوء الولايات المتحدة الأمريكية كدولة. فخلال الحرب الأهلية الأمريكية في القرن الثامن عشر ولحظة إعلان الاستقلال كانت مدينة بـ75 مليون دولار أمريكي. واستمر هذا الدين بالتصاعد مع نمو نفقاتها بمعدل أكبر من نمو إيراداتها.

سقف الدين الأمريكي تم إقراره عام 1917م. وذلك لوضع حد أعلى لمساهمة الحكومة الأمريكية في تمويل حلفائها. ووضع حد أعلى للتداول المالي الأمريكي في الأسواق المالية الدولية. بحيث لا تتجاوز قيمة الاقتراض قدرة الحكومة على السداد.

من جهة أخرى شهد الدين الأمريكي ارتفاعات عدة. خاصةً بسبب الحروب والأزمات. فحرب فيتنام وحرب العراق أرهقت الخزينة. فالأخيرة كلفتها 2,4 تريليون دولار. كما أن أزمة كورونا والحرب الأوكرانية رفعت قيمة الدين لمستويات قياسية.

ما طبيعة أزمة الدين الأمريكي الحالية؟

بالطبع عندما تصل الحكومة لسقف الديون يجب أن تتوقف عن الاقتراض. وإلا فإنها تخاطر بالتخلف عن السداد. وخلال آخر 20 عاماً تم رفع حد الدين 20 مرة. ليصل آخر مرة إلى 31,4 تريليون دولار في 16 ديسمبر 2021م.

حالياً بلغ الدين الأمريكي السقف. ولكن لم يتم إصدار قانون بزيادته. فالكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون نجح بتمرير مشروع قرار يرفع سقف الدين بمقدار 1,5 تريليون دولار ليبلغ 32,9 تريليون. ويتضمن تخفيضات في الإنفاق الفيدرالي. ويلغي أجزاء رئيسة من برنامج بايدن الانتخابي. كإلغاء ديون الطلبة ومكافحة التغير المناخي.

تحويل مشروع القرار إلى قانون يتطلب موافقة مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون. والذين صرحوا بأنه لن يتم تمرير القرار إلا في حال التنازل عن الشق الخاص بتقليص الإنفاق الفيدرالي. وهذا الخلاف الحاد قد يعرقل رفع سقف الدين. وفي حال التأخر قد تدخل البلاد بشلل اقتصادي ينعكس سلباً على الاقتصاد العالمي.

آثار أزمة الديون على الاقتصاد العالمي

في الحقيقة استمرار الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين قد يؤدي إلى تأخر الولايات المتحدة عن سداد ديونها. وذلك لأول مرة في تاريخها. ولهذا الأمر تداعيات خطيرة. منها خفض التصنيف الائتماني لها. وبالتالي خروج العديد من الاستثمارات منها. وصعوبة الحصول على تمويل جديد. ودخول البلاد في ركود سينعكس ركوداً عالمياً.

كما تتضمن النتائج المتوقعة انهيار البورصة وارتفاع أسعار الفائدة واضطرابات اقتصادية. تتضمن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بما يزيد عن 4% وتراجع النمو على المدى الطويل. وخسارة 7 ملايين وظيفة. وتراجع الثقة بالدولار الأمريكي.

إذا استمر التخلف عن سداد الديون لعدة أسابيع أو أكثر فقد يؤدي ذلك إلى اندلاع أزمة مالية عالمية. تشمل ركوداً اقتصادياً كبيراً وتجميداً لسوق الائتمان في جميع أنحاء العالم. فضلاً عن هبوط أسواق الأسهم وتسريح جماعي للعمال وانخفاض الناتج المحلي العالمي.

في الواقع بات قرار رفع سقف الديون الأمريكية ورقة مساومة سياسية شبه دائمة. حيث كانت آخر معركة حول تلك الورقة في عام 2011م حين وافق الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما على تخفيضات الإنفاق بقيمة تزيد عن 900 مليار دولار. مقابل رفع حد الدين بمقدار مماثل.

لكن التفاوض حول هذا الوضع يبدو صعباً الآن. بسبب تمسك كل طرف بموقفه. وفي ظل سخونة المنافسة بين الفريقين قبيل انتخابات 2024م. ولكن يظل لهيب الأزمة المالية أقوى من الخلافات السياسية الضيقة بين الديموقراطيين والجمهوريين. ومن المتوقع حل الأزمة في اللحظات الأخيرة.

شَارِك المَقَال