شَارِك المَقَال

يعتبر كتاب مقدمة قصيرة عن الرأسمالية للكاتب جيمس فولتشر  من أبرز الكتب الاقتصادية. وتناول هذا الكتاب جذور النظام الرأسمالي وتطوره ومظاهر الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي. وفيما يلي نسلط الضوء على أبرز ما جاء في هذا الكتاب.


ظهور الرأسمالية التجارية

يعتبر الكاتب أن الرأسمالية في الواقع بدأت من خلال الرأسمالية التجارية ولاحقًا الرأسمالية الصناعية، ومؤخرًا الرأسمالية المالية. والرأسمالية التجارية بدأت في مطلع القرن الخامس عشر من خلال شركة الهند الشرقية البريطانية. وذلك من خلال نقلها التوابل من الهند إلى أوروبا عموما وإلى بريطانيا بالأخص.

بدأت ملامح الرأسمالية التجارية تتضح من خلال الأرباح الكبيرة التي حققتها شركة الهند الشرقية والتي وصلت لحدود 95 %. من ناحية أخرى كان يحصل البحارة على أجور ضئيلة. علاوة على مقتل العديد منهم في الرحلات التجارية بسبب العواصف البحرية وغارات القراصنة والمنافسين لا سيما من البرتغاليين والإسبان.


توحش الرأسمالية الصناعية

يقول الكاتب بأن الرأسمالية الصناعية بدأت ملامحها تتضح في أواخر القرن الثامن عشر. وذلك في مصانع النسيج التي كانت تعتبر من الاستثمارات المدرة للدخل آنذاك. ونتيجة ربحيتها المرتفعة دخل عشرات المستثمرين لهذا القطاع، الأمر الذي أدى لزيادة التنافسية لدرجة كبيرة. الأمر الذي دفع المستثمرين للضغط الهائل على العمال لتحقيق أعلى إنتاج ممكن.

في ظل ظروف التنافسية المرتفعة لجأ المستثمرون لتوظيف الأطفال بسبب انخفاض أجورهم. فنصف العمال من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 عامًا، و 10% منهم دون سن السابعة. وكانوا يعملون من الساعة السادسة صباحًا حتى الساعة السابعة والنصف مساءً.

يشرح الكاتب ظروف الضغط على العمال في مصانع النسيج، لا سيما بعد ابتكار نموذج الرقابة الصامتة. وفق هذا النموذج كان يعلق في عنق كل عامل قطعة خشبية تدل على إنتاجيته في اليوم السابق، من كانت إنتاجيته منخفضة يتم مراقبته بشدة. كما لجأ المستثمرون لتجنيد دوريات تجوب الأحياء وفرض النوم على العمال في بيوتهم قبل الساعة العاشرة كي يتمكنوا من العمل بجد في اليوم التالي.

في ظل الضغط المتواصل على العمال ابتدعت الرأسمالية الصناعية الترفيه لزيادة إنتاجية العمال. ويقول الكاتب بأن هذه الرفاهية كانت استثمارًا جديدًا، ففي ظل انتشار أدوات الرفاهية ووسائلها كان على العمال التعامل مع شركات الرفاهية التي يملكها مدراؤهم. فالرأسمالية استغلت كل مجال ممكن لتحقيق الربح.

أما الرأسمالية المالية بدأت مع ظهور الأسواق المالية، وتعززت في النصف الثاني من القرن العشرين. وتقوم أساسًا على المتاجرة بالمال وبالمشتقات المالية. ويرى الكاتب أيضا أن المتاجرة بالمال وبالمشتقات المالية تشكل إحدى أبرز أسباب الأزمات المالية التي تعصف بالعالم. كما تسبب آثارًا اقتصادية مدمرة على الدول والمجتمعات والأفراد.


جذور الرأسمالية

يقول الكاتب بأن البحث عن جذور الرأسمالية يتطلب العودة بالتاريخ إلى ما يقارب ألف عام. فأوروبا عانت من خلافات دينية كنسية حادة، واضطهاد وحروب وملاحقات دينية. الأمر الذي سبب هجرات داخلية، لا سيما هجرة التجار ورؤوس أموالهم. الأمر الذي أدى لتركز المال في مدن ودول محددة آمنة نسبيًا.

إن تركز المال في أماكن جغرافية ضيقة وخلال عقود طويلة ساعد على نضج فكرة الرأسمالية. والتي بدأت بالتبلور تدريجيًا في مختلف دول أوروبا، إلا أن ولادتها الفعلية كانت في بريطانيا. فجذور الرأسمالية تتقاطع فيها الدوافع الدينية الكنسية مع السياسية والاقتصادية.

يعتقد الكاتب أن البروتستانتية المسيحية لعبت دورًا هامًا في نضج فكرة الرأسمالية. فهي تدعو أنصارها للادخار وعدم الإسراف في الإنفاق. وهذا ما قاد خلال قرون طويلة لمراكمة كبيرة لرأس المال وظهور طبقة ثرية قادرة على الاستثمار واستغلال جهود الناس العاديين.

قدم الكاتب طرحًا مغايرًا لكل الطروح السابقة المتعلقة بمنشأ وأصل الرأسمالية، فهو يرى أن جذورها دينية بالدرجة الأولى. ويبرهن على هذا الطرح بأن الحضارة الصينية القائمة على تعاليم كونفوشيوس لم تسع لاستغلال الناس على الرغم من أنها شهدت طفرة صناعية تمثلت في اختراع البارود والورق.

والحضارة الإسلامية أيضا لم تشهد أنظمة استغلالية على الرغم من وجود رؤوس أموال ونهضة حضارية. فوفقًا للكاتب فإن تعاليم الكونفوشيوسية والتعاليم الإسلامية تحظر استغلال الآخرين. بينما المسيحية سمحت بهذا الشيء على الرغم من أنها تعارضه في النصوص.


مقدمة قصيرة عن الرأسمالية..!!

يعتقد الكاتب أن الرأسمالية دخلت بتأثيرها السلبي تفاصيل حياتنا، فقادتنا نحو أنماط محددة من الحياة والاستهلاك. كما يرى أن الشركات العابرة للقومية تمثل إحدى أهم أدواتها في تحقيق أهدافها. فهذه الشركات تغلف بغلاف حضاري إلا أنها تقوم وبشكل خفي باستغلال الشعوب والأمم.

يقدم الكاتب بعض الأمثلة حول ممارسات الشركات العابرة القومية، فهي انتقلت للدول النامية بحجة تنميتها وتحقيق منفعة متبادلة. إلا أن الحقيقة أنها استغلت هذه الدول، فالشركات الأمريكية افتتحت فروعًا لها في المكسيك واستغلت انخفاض الأجور لتعظيم أرباحها. كما استغلت القاصرين، ففي السبعينيات بلغت نسبة الفتيات القاصرات العاملات في المكسيك 60% من حجم اليد العاملة.

قدم الكاتب أمثلة عديدة على ممارسات الشركات العابرة للقومية، سواء في مجال السياحة أو الطب أو الاتصالات والطاقة وغيرها. وختم كتابه بأن الرأسمالية العالمية دخلت بيوت الجميع، وأنها تقود العالم نحو الهاوية الاقتصادية والاجتماعية. ويقول بأن غالبية الحروب الكبرى تقف وراءها الرأسمالية العالمية.

إن كتاب “مقدمة قصيرة عن الرأسمالية” يشكل خطوة هامة نحو فهم جذور الرأسمالية، فهذا الفهم من شأنه المساعدة في فهم مستقبلها وتوجهاتها، إضافةً لوضع أسس هامة لمعالجة آثارها وحماية المجتمع والأفراد من تداعياتها الحالية والمستقبلية.

شَارِك المَقَال