شَارِك المَقَال

 

خلال القرون الأخيرة الماضية، حدثت أزمتان ماليتان صَدَمت الاقتصاد العالميّ والمُجْتَمَع الدوليّ بأكمله، الأَوَّل هو #الكَسَاد_العظيم الَّذِي حدَث في العقود الأولى من القرن العشرين، والثاني هو #الرُّكُود_الكبير الَّذِي ظهر في مطلع القرن الحادي والعشرين.

 

يُعْتَبَر #الكَسَاد_الكبير الَّذِي ضرب الولايات المتَّحِدَة، واستمَرّ من عام 1929م وحتَّى عام 1933م أخطر أزمة ماليَّة حدثت في العالَم، وقد تسبَّب انهيار سوق الأسهم #وول_ستريت عام 1929م بركودٍ عميقٍ أدَّى لاحقاً لكَسَاد عظيم.

 

من أسباب انهيار سوق الأسهم الماليَّة #وول_ستريت عجز البنوك وإعلان إفلاسها، قلَّة السُّيُولة الَّتِي أدَّت إلى قلَّة #القدرة_الشِّرائيَّة، السِّياسَة الاقْتِصَادِيّة الأمريكيَّة مع أوروبا، التَّغَيُّرات البيئيَّة الَّتِي حدثت كالجفاف الَّذِي ضرَب المنطقة لمدة عام.

 

لم تتأثَّر #الولايات_المتَّحدة_الأمريكيَّة فقط ب #الكَسَاد الَّذِي حدث، بل امتدَّ أثر تلك الأزمة إلى معظم دُوَل العالم، سواءً كانت دُوَلاً مُتَقَدِّمَة أو نَامِيَة، كما ساهَم صُعُود النَّازيين لسُدَّة الحُكْم في #ألمانيا ونثرهم لبذور الحرب العالمية الثَّانية في تَفَاقُم تَبِعَات الكَسَاد العظيم في أوروبا.

 

يُعرف يوم الثلاثاء الموافق التاسع والعشرون من شهر أكتوبر عام 1929م بيوم #الثلاثاء_الأسود، وهو اليوم الَّذِي حدث فيه انهيار #وول_ستريت، حيث تمَّ عَرْض أكثر من 13 مليون سهم على لائحة البيع، ما أدَّى إلى ازدياد #العرض عن #الطلب، وتورُّط المستثمرين بديون قروضٍ عجزوا عن سدادها للبنوك الَّتِي أعلنت إفلاسها نتيجة لذلك.

 

الأزمة الماليَّة الثانية الَّتِي ضربت #الاقتصاد_العالميّ والمجتمع الدوليّ هي #الرُّكُود_الكبير، فقد نَتجَ عن أزمة حادَّة في سُوق #الرهن_العقاريّ في 2007م في أمريكا، سُرعان ما تطوَّرت لتصبح أزمةً مصرفيَّة دوليَّة. استمرَّت الأزمة إلى عام 2012م، وساهمت في حُدُوث أزمة الدُّيُون الأوروبيَّة.

 

ولكن لا يمكن القول بأنَّ أزمة السُّوق العقاري كانت السبب الوحيد للرُّكُود الكبير، فقد كانت هناك عوامل أخرى فاقمت مِن تَبِعَات أزمة السُّوق العقاريّ، والَّتِي ألقت بآثارها على البيئة الاقْتِصَادِيّة العالميَّة منذ أوائل عام 2002 وحتى العام 2007م.

 

من هذه العوامل الإخفاقات واسعة النِّطَاق في التَّنْظِيم الماليّ، الانهيارات الكبيرة في حَوْكَمَة الشَّرِكَات، الاقتراض المُفْرِط الَّذِي قامت به العديدُ من الأُسَر في ظلّ غياب تطبيق شروط القدرة على السَّدَاد، عدم استعداد صُنَّاع السِّياسَات للأزمة وافتقارهم للفهم الكامل للنظام المالي الَّذِي أشرفوا عليه.

 

لم تَفْشل المؤسَّسَات الماليَّة الأمريكيَّة فقط بل وتفاقم الأمر ليطال المُؤَسَّسَات الماليَّة على مستوى العالَم، فقد تسبَّب عدم قدرة الأُسَر على سداد دُيُونها لحبس رهوناتهم العقاريَّة، وانخفاض أسعار العقارات، وانخفضت أسواق الأسهم في كلّ أنحاء العالَم وحدثت أزمة في السُّيُولة الماليَّة.

 

تسبَّبت أزمة #الرُّكُود_الكبير بخسائر فادحة على مستوى العالَم وخُصُوصًا في الولايات المتَّحِدَة ومنطقة #اليورو، وانخفض النَّاتِج المَحَلِّيّ الإجماليّ للدُّوَل، وازداد مُعَدّل نُمُوّ البَطَالَة ومُعَدَّل الدُّيُون.

 

من الآثار الإيجابيَّة ل #الكَسَاد و #الرُّكُود: تمكُّن المنشآت الإنتاجيَّة من التخلُّص من فائض المخزون لديها لتعود لمُعَدَّلَاتها الطبيعيَّة، وبذلك يَتَحَقَّق التَّوَازُن الاقْتِصَادِيّ، كما يساعد النَّاس على الإنفاق بحدود قُدَرَاتهم الحقيقيَّة بدون إسرافٍ ما يساعدهم على الادخار أكثر والاستثمار أكثر.

 

من الآثار السلبيَّة كذلك: انخفاض مُعَدَّلات الإنفاق وارتفاع البَطَالَة، وقِلَّة مُعَدَّلَات التَّوْظِيف والانكماش الاقْتِصَادِيّ، وتَرَاجُع قيمة الأصول.

 

السؤال هنا، مع تفاقم وانتشار فيروس كورونا إلى أين يتجه الاقتصاد العَالَمِيّ، هل نواجه حالة من الرُّكُود أم الكَسَاد الاقْتِصَادِيّ.

 

تتوقَّع بعض المُؤسَّسَات الدوليَّة والبحثيَّة مثل مُؤسَّسَة الأبحاث “إكسفورد إيكونومكس” أنَّ يضرب الرُّكُود الاقْتِصَادِيّ الولايات المتَّحدة ومنطقة اليورو بفعل كورونا مع توقُّعات تقلُّص النَّاتِج المَحَلِّيّ الإجماليّ العالميّ بأكثر من تريليون دولار.

 

تعرَّضت اليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا إلى ركودٍ اقْتِصَادِيّ بالفعل قبل تفشِّي فيروس كورونا، لكن يُحتَمل أن يكون الوضع أكثر سوءًا بنهاية الرُّبُع الحاليّ؛ حيث هناك توقُّعات بتسجيل الصين أكبر وتيرة تَرَاجُع فَصْلِيّ في النَّاتِج المَحَلِّيّ الإجماليّ.

 

فيروس كورونا سبَّب قلقاً للاقْتِصَادِيّينَ؛ لأنَّه لا يوجد أيّ موعدٍ زَمَنِيّ محدَّد لاحتواء هذا الفيروس، وإلى متى ستبقى المتاجر مُغْلَقَة، وإلى متى سيُعَلَّق السفر، ومقدار الضَّرَر الَّذِي سيلحق بسلاسل التوريد.

 

تجنُّب الدُّخُول في كَسَاد اقْتِصَادِيّ أمرٌ يتوقَّف على مدى إنفاق الدُّوَل والمؤسَّسَات الدوليَّة لمساعدة الاقتصاد المحلِّيّ والعالميّ على امتصاص تبعات فيروس كورونا، ويجدر الاهتمام بالإنفاق المَحَلِّيّ لتَدَعْم الدُّول اقتصاداتها من الدَّاخِل.

 

أعلن صندوق النقد والبنك الدوليَّان عن إتاحة تمويلات عاجلة للدُّوَل الأعضاء؛ للحَدّ من تَبِعَات تفشِّي كورونا على اقْتِصَاداتها، كما أعلنت عشرات الدُّوَل تمويلات ومُسَاعَدَات لمواطنيها لمواجهة توقُّف النَّشاط الاقْتِصَادِيّ.

 

صُندوق النَّقْد الدوليّ، ينصح الدُّوَل بضرورة الإنفاق بقُوَّة؛ حيثُ إنَّ هذه أزمة كبيرة، ولن تعرف الحَلّ دون تعبئة ضخمة للموارد، قد تكون هذه النَّصيحة في مَحَلِّهَا من الصندوق إذا لم تلجأ الدُّوَل للاقتراض منه أيّ الصُّندوق.

 

سيحدث التَّعافي الاقْتِصَادِيّ من أزمة فيروس كورونا، بناءً على الوضع الَّذِي ستؤول إليه الأمور بعد انتهاء أزمة كورونا؛ إمَّا بانحسار انتشاره، أو بنجاح إيجاد اللِّقاح المناسب له؛ بالإضافة إلى درجة تفاعل الدُّوَل الكبرى لإيجاد خُطَط للتعامل مع التَّحَدِّي القائم.

 

شَارِك المَقَال