شَارِك المَقَال

في أعلى مستوى له منذ شهر يناير الماضي تتخطى أسعار الذهب الـ1900 دولار للأوقية “الأونصة”. ليكون على وشك تحقيق أكبر مكسب شهري خلال العام الجاري. يأتي ذلك بدعمٍ من تراجع الدولار الذي يتداول عند أدنى مستوى في ثلاثة أشهر. علاوة على تنامي المخاوف من ارتفاع التضخم والتراجع الحاد للعملات المشفرة. والسؤال الآن: هل يقود تراجع الدولار والعملات الرقمية لعودة الزخم للاستثمار في الذهب؟

 

ما أسباب ارتفاع سعر الذهب؟

في الوقت الحالي يسود القلق بشأن التضخم في الولايات المتحدة. وازداد بعد نشر بيانات أكدت ارتفاع أسعار المستهلكين في البلاد على أساس سنوي في أبريل الماضي. وتجاوز مؤشر التضخم الأساسي مستوى الاثنين بالمئة الذي يستهدفه مجلس “الاحتياطي الاتحادي” الأمريكي.

 

تعزز ارتفاع سعر الذهب بقرار “الاحتياط” الأمريكي الإبقاء على موقف يميل للمرونة بشأن أسعار الفائدة. ما يعني الاستمرار في أسعار الفائدة النهائية عند مستوى منخفض حتى في حالة ارتفاع التضخم. وهو الأمر الذي سيؤدي لانخفاض مستمر في قيمة الدولار وارتفاع الذهب وحفاظه على أداء جيد فيما بعد.

 

من جهة أخرى فإن قرار الفيدرالي الأمريكي يعكس بوضوح مناخاً استثمارياً متردداً للغاية. فعدم تحريك سعر الفائدة وانخفاض عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات من 1.78 في المئة إلى 1.55. مما يوحي بحالة غير مباشرة من عدم الوثوق بقيمة الدولار وقدرته على الصمود طويلاً. هذا الأمر دفع لمزيد من مكاسب الاستثمار في المعدن النفيس.

 

ما تأثير العملات المشفرة على تصاعد أسعار الذهب؟

وفي الوقت نفسه لا يمكن تجاهل تأثير العملات الرقمية “المشفرة” على المنحى التصاعدي لأسعار الذهب. فالانخفاض المفاجئ والكبير للأولى كان متوقعاً ومنطقياً رغم تخطيها حاجز الـ64 ألف دولار. ومن ثم تهبط بأكثر من 50 بالمئة عند حدود 31 ألف دولار. وفرق هذه الخسائر ذهب لصالح الاستثمار في الملاذ الآمن “الذهب”.

 

فحينما تنخفض أسعار العملات الرقمية يفضّل البعض الاحتماء بالذهب وتحويل استثماره إلى المعدن الأصفر. بسبب اعتباره الأقل تذبذباً والأكثر استقراراً في السوق. وحتى إذا ما  حدث العكس وبدأت عمليات الشراء على العملات الرقمية مجدداً فلن يتضرر الذهب بنسبة كبيرة مثل الدولار أو غيره.

 

لماذا يتم الدفع بالسيولة تجاه الذهب؟

بصفة عامة تعاني البيئة الاقتصادية من حالة عدم اتزان وتكتظ بعدم استقرار البيانات الإيجابية واستدامتها. خاصةً بيانات سوق العمل والتضخم وانخفاض قيمة الدولار وانحسار شهية المستثمرين للمخاطرة في العملات الرقمية. نتيجة لذلك فإنه من المنطقي جداً الدفع بالسيولة تجاه الذهب والتسابق على الاستثمار فيه وارتفاع مكاسبه حتى نهاية العام.

 

في الوقت الحالي هناك بالفعل الكثير من الحالات التي تعزّز الطلب على شراء الذهب واقتنائه. خصوصاً الاستثمارات الفردية الخاصة والاستثمارات القائمة بالفعل والتي تريد تعويض خسارتها من جائحة “كورونا”. بالإضافة إلى الاستثمارات الخاسرة من التراجع الكبير للعملات المشفرة والمتضررون من انخفاض عوائد السندات وفوائد البنوك.

 

بالطبع إذا استمرت أسعار الذهب في الصعود وتخطت مستويات 2500 دولار للأونصة سيخرج المعدن الأصفر عن نطاق التقديرات العلمية. ومِن ثَم سيدخل مرحلة الدورات الزمنية غير محددة المدة والتي لا تنطبق عليها قواعد التحليل الفني المختصة بآليات التنبؤ بالأسعار.

 

ما تأثير ارتفاع أسعار الذهب على الاقتصاد العالمي؟

في الحقيقة المشكلة الآن أن الاقتصاد العالمي لا يستطيع في الوقت الراهن تحمل ارتفاع المعدن الأصفر فوق مستويات الأسعار الحالية. نتيجة لذلك ستُصاب غالبية دول العالم بالركود والتضخم وستقفز أسعار البترول إلى مستويات مرتفعة. لأن الذهب قديماً كان مخزناً للقيمة أما الآن فهو عنصر للتحوط ضد الأزمات.

 

لهذا السبب فإن الذهب الآن يقع في ما يسمى بـ”الفجوة” على مؤشرات التحليل الفني. وهو ما يدعو لتوخي الحذر الشديد. لأن ذلك ينذر بحدوث مشكلة في عصب الاقتصاد العالمي مثلما حدث قبيل الأزمة العالمية عام 2008م. بالإضافة إلى أزمة الرهن العقاري التي صاحَبها ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والبورصات العالمية ومن ثَم انهيار الأسواق.

 

من جهة أخرى فإن الإيجابي في ارتفاع المعدن الأصفر هو عودة الزخم بقوة للاستثمار في الذهب. بالإضافة إلى صعوده من جديد في الأسواق العالمية وإثباته مرة بعد أخرى أنه أقوى الملاذات الآمنة على الإطلاق. خاصةً حينما يسود الأسواق التوتر وعدم الاستقرار ويستمر التضخم في الارتفاع.

 

ما توقعات أسعار الذهب؟

في الواقع إن استمرار ارتفاع الذهب ليس السيناريو الوحيد. فربما تشهد السوق موجة تصحيح ويبدأ في التراجع. خصوصاً إذا ما اتضحت ملامح التعافي من “كورونا” واستعادت الاقتصادات حيويتها. مثلما حدث حينما سجّل هبوطاً شهرياً مستمراً من +2000 دولار في أغسطس 2020م لتتفاقم الأوضاع مع اكتشاف اللقاح في نوفمبر الماضي.

 

وفي الوقت نفسه هناك عامل آخر مهم يتمثل في قرار “الفيدرالي” الأمريكي بشأن أسعار الفائدة. ففي حال ألمح خلال اجتماعه المرتقب منتصف يونيو الجاري لتعديل توقعات مسار سعر الفائدة. بالتالي يصبح آخر عام 2022 موعداً محتملاً لرفعها. فحينها سيتأثر الذهب سلباً دون شك وسيبدأ بالتخلي عن مكاسبه.

 

في نهاية المطاف مثل هذه العوامل وغيرها قد تشكّل دوافع قوية لانخفاض سعر الذهب عالمياً. لكن بشكل عام إذا ما حدث وبدأ المعدن الأصفر في الانخفاض فلن يكون هذا الهبوط قوياً. على وجه الخصوص بالقدر الذي تتدنى معه الأسعار إلى مستويات ما قبل جائحة “كورونا”.

شَارِك المَقَال