شَارِك المَقَال

يشهد العالَم منذ عدة سنوات اضطراب سياسي واقتصادي، تفاقمت خلال العامين الماضيين بشكل ملحوظ، وهو ما دفَع المستثمرين والأفراد وحتى الحكومات إلى البحث عن أدوات استثمارية تَحميهم من تقلُّبات السوق.

 

وفي مقدمة هذه الأدوات يأتي الذهب، الذي يُعرَف تاريخيًّا بأنه ملاذ آمِن في أوقات الأزمات. فالعملات الورقية مهما بلغت قوتها تظل مُهدَّدة بالتآكل في ظل التضخم والتقلبات الجيوسياسية، بينما يحتفظ الذهب بقيمته، بل ويرتفع سعره في أوقات الأزمات، كما حدث خلال أزمة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، وكما يحدث اليوم.

 

أرباح غير مسبوقة خلال عام
من يتابع سوق الذهب يُلاحظ القفزة الكبيرة في أسعاره خلال فترة قصيرة. في بداية عام 2024م كان سعر أونصة الذهب حوالي 2000 دولار، بينما تجاوز السعر حاليًّا 3400 دولار. ما يعني أن الذهب حقَّق زيادة قدرها 1400 دولار خلال سنة وعدة أشهر فقط، أي ما يعادل نمو بنسبة 70%، وهي نسبة عالية جدًّا لا يُقدّمها أيّ استثمار تقليدي آخر خلال نفس المدة.

 

ولتوضيح ذلك؛ لو أن مستثمرًا اشترى ذهبًا بقيمة 10,000 دولار في بداية عام 2024م؛ فإن قيمة الذهب الذي اشتراه اليوم تساوي 17,000 دولار، مُحقِّقًا ربحًا صافيًا قدره 7,000 دولار. في المقابل، مَن احتفظ بمبلغ 10,000 دولار نقدًا لم يُحقّق أيّ ربح، بل قد يكون خسر جزءًا من قيمته الفعلية بسبب التضخُّم.

 

مؤشّرات تؤكد استمرار الصعود
ما يجعل الذهب أكثر جاذبية في المرحلة المقبلة هو أن كلّ المؤشرات العالمية تدلّ على استمرار ارتفاع سعره. فهناك طلب متزايد عليه من البنوك المركزية حول العالَم؛ حيث يتم شراء أكثر من 80 طنًّا من الذهب شهريًّا، وهذا الرقم وحده كفيل بدفع الأسعار للارتفاع. كما أن التوترات العالمية، سواء بسبب النزاعات أو السياسات الاقتصادية، وعلى رأسها الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأمريكية على الصين، تُضيف مزيدًا من الضغط على الاقتصاد العالمي، وتدفع الشركات والمؤسسات المالية نحو الذهب كأداة تحوُّط. إضافةً إلى ذلك، فإن استمرار ضعف الثقة في العملات الورقية، يدفع الجميع نحو اقتناء الأصول الثابتة، وفي مقدمتها الذهب.

 

توقُّعات البنوك الكبرى ترفع السقف
ليست فقط الحكومات والمستثمرون الأفراد من يتوقعون صعود الذهب، بل حتى البنوك الكبرى في العالم بدأت تبني توقعاتها بناءً على هذه المؤشرات. فعلى سبيل المثال، بنك غولدمان ساكس Goldman Sachs، أحد أضخم البنوك الاستثمارية عالميًّا، يتوقع أن يصل سعر أونصة الذهب إلى 3,700 دولار مع نهاية عام 2025م، وإلى 4,000 دولار بحلول منتصف 2026م، هذه التوقُّعات تؤكد أن الاستثمار في الذهب اليوم لا يزال يحمل فرصًا واعدة لتحقيق أرباح مهمة.

 

وإذا أخذنا بعين الاعتبار هذه التوقعات، فإن مَن يستثمر الآن بمبلغ 10,000 دولار، قد يُحقّق خلال عام واحد فقط ربحًا بنسبة 25%، أي ما يعادل 2,500 دولار، مع احتمالية تحقيق ربح أكبر في العام الذي يليه.

 

تنويع الاستثمارات مع أولوية للذهب
رغم كل المؤشرات الإيجابية حول الذهب، يبقى من الحكمة اعتماد سياسة توزيع المخاطر عند اتخاذ قرار استثماري، خصوصًا في ظلّ التقلُّبات العالمية. لذلك يُنْصَح بتوزيع المدخرات على عدة مجالات استثمارية؛ مثل: الذهب، والعقارات، وربما العملات أو المشاريع الإنتاجية.

 

لكن مع ذلك، ينبغي أن تكون الحصة الأكبر من المدخرات في الذهب خلال المرحلة الراهنة؛ نظرًا للثقة العالية به، والمؤشرات القوية على استمرار ارتفاع سعره عالميًّا. هذه الإستراتيجية تضمن تحقيق التوازن بين الأمان والعائد، وتُقلّل من احتمالات الخسارة في حال حدوث تغييرات مفاجئة في أحد القطاعات.

شَارِك المَقَال



المنشورات ذات الصلة