شَارِك المَقَال

على الرغم من مرور أكثر من أربعة أشهر على إعلان الدولة السورية الجديدة، ما يزال الاقتصاد الوطني يُواجه تحديات كبيرة، رغم وجود مؤشرات أولية تُعطي بعض الأمل. الليرة السورية تُعدّ مؤشرًا حساسًا على وضع الاقتصاد المحلي، وتعافيها يمكن أن يكون مدخلًا لتحسُّن أوسع على مستوى المعيشة والاستثمار. ومع ذلك، فإن تحسُّن سعر صرف الليرة لا يزال محدودًا، وغير مدعوم بتغيُّرات جوهرية في هيكل الاقتصاد، ما يعني أنَّ حالة الاستقرار الحالية هشَّة وقد تكون مؤقتة.

 

استقرار نِسْبي لكنّه هشّ
تشير البيانات الحالية إلى أن سعر صرف الليرة السورية يتراوح بين 10,000 12,000 ليرة للدولار، أي أنها استعادت نحو 33% من قيمتها مقارنةً بفترة ما قبل التحرير. هذا الاستقرار الظاهري يَترك انطباعًا إيجابيًّا في السوق؛ إلا أن القيمة الحقيقية لليرة ما زالت متدنية، ولا تعكس تعافيًا اقتصاديًّا فعليًّا. الموظف الذي كان راتبه الشهري يعادل 25 دولارًا، أصبح الآن يتقاضى ما يعادل 36 دولارًا، نتيجة لتحسُّن سعر الصرف. هذا التحسُّن، رغم أهميته، لا يَرقى إلى مستوى تَحْسين نَوْعي في مستوى المعيشة، خصوصًا في ظلّ بقاء الأسعار عند مستويات مرتفعة نسبيًّا.

 

أزمة السيولة وتأثيرها على الليرة
أحد الأسباب الجوهرية لتحسُّن الليرة في هذه المرحلة هو نقص السيولة النقدية في السوق؛ حيث تعاني بعض المؤسسات من تأخُّر في صرف الرواتب، وبعض الموظّفين لم يحصلوا على أجورهم منذ شهرين. كما أنّ السحب من البنوك محدود بمليونَي ليرة أسبوعيًّا، مما يعني أن حجم التداول النقدي في السوق منخفض، وبالتالي يقلّ الطلب على الدولار في التداول اليومي، وهو ما يدعم الليرة مؤقتًا. إلا أن هذا التحسُّن “غير حقيقي”؛ لأنه لا يستند إلى نشاط اقتصادي فِعْلي بل إلى شُحّ في النقد المتداول.

 

ماذا بعد رفع العقوبات الأوروبية؟
أحد التطورات التي قد تُعيد خَلْط الأوراق هو قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات عن البنك المركزي السوري، مما قد يُتيح للدولة طباعة عُملتها من جديد في النمسا أو سويسرا. في حال تم تجاوز هذه العقبة، يُتوقَّع أن تتحسَّن السيولة في السوق، وهو أمر ضروري لدفع الرواتب وتنشيط الاقتصاد. إلا أن هذه الخطوة قد تتسبَّب في تراجع قيمة الليرة مجدّدًا، إذا لم تكن مدعومة بإجراءات اقتصادية موازية مثل ضبط العرض النقدي وزيادة الإنتاج.

 

طريق التعافي: بين التصدير والاستثمار
التحسُّن المستدام في سعر صرف الليرة لا يمكن أن يتحقّق دون انتعاش حقيقي في الاقتصاد، وهذا لا يتم إلا عبر زيادة الإنتاج المحلي، والاعتماد على التصدير، وتقليل فاتورة الاستيراد. حتى الآن، لم تظهر مؤشرات قوية على بَدْء هذا النوع من التعافي.
من جهة أخرى؛ فإن دعم الحكومة بالعملات الصعبة أو جَذْب استثمارات مباشرة يمكن أن يُسهم في تحسين سعر الصرف، لكنَّ هذا يتطلب بيئة تشريعية وتنظيمية جاذبة، بما في ذلك قوانين ضريبية محفّزة وتوفير الطاقة للمصانع والمشاريع.

 

الادّخار بالليرة.. مخاطرة مشروطة
في ظلّ هذا الواقع، فإن الاحتفاظ بالليرة يُعدّ مجازفةً؛ نظرًا لإمكانية تراجع قيمتها في أيّ وقت نتيجة تغيرات نقدية أو سياسية. ولذلك، يُنْصَح بتوزيع الادخار بين الليرة والدولار والذهب. وإذا كان الادخار قصير الأمد، فالدولار يبقى الخيار الأنسب لحماية القيمة، أما في حال كان الهدف هو ادّخار طويل الأمد، فإن الذهب يُعدّ الخيار الأكثر أمانًا، خاصةً في ظلّ ارتفاعه المستمرّ عالميًّا.

 

شَارِك المَقَال



المنشورات ذات الصلة