قناة بنما التي يُقدَّر عَرْضها بـ300 متر فقط، أصبحت كأنها هي التي تُقرِّر مصير الاقتصاد العالمي.
وبنما ليست مجرد دولة صغيرة تقع في جنوب أمريكا الوسطى، بل هي نقطة التقاء بين المحيط الأطلسي والهادي، ومقر صراع بين الشرق والغرب.
إن القناة التي حفرتها أمريكا قبل 100 سنة، أصبحت اليوم ساحة صراع بين واشنطن وبكين. ففي عام 1903، أرسل الرئيس الأمريكي روزفلت سفنًا حربية إلى ساحل بنما، ودعم انفصالها عن كولومبيا. وكان الهدف حفر قناة تُعزّز سيطرة أمريكا على التجارة العالمية.
وبعد 10 سنوات من العمل، اكتملت القناة وصارت شريان حياة للتجارة الأمريكية. حقَّقت واشنطن أرباحًا كبيرة، لكنّ سكان بنما عانوا من الفقر، لذلك بدأت احتجاجات شعبية عام 1964، قُتِلَ فيها 22 طالبًا بنميًّا و4 جنود أمريكيين. هذه الأحداث دفعت واشنطن للتفاوض، وفي سنة 1977 وقَّع الرئيس كارتر اتفاقًا لتسليم القناة بنهاية القرن.
لما حان موعد تسليم القناة سنة 1997، قرَّرت بنما بناء موانئ على طرفي القناة. تقدَّمت العديد من الشركات الدولية بعروض لتشغيلها، لكنّ عرض الشركات الصينية كان الأقوى؛ فقد عرضت 22 مليون دولار إيجارًا سنويًّا، وهذا أكبر من ضعف العروض الأخرى، بالإضافة إلى 10% من العائدات.
بالطبع يرجع هذا الكرم الصيني إلى أهمية القناة؛ فقد أصبح لبكين موطئ قدم إستراتيجي بمنطقة كانت واشنطن تَعتبرها ملكًا لها، ومنذ ذلك الوقت بدأت الخلافات بين واشنطن وبكين.
اليوم، يرى ترامب في هذا النفوذ الصيني خطرًا مباشرًا على الأمن القومي الأمريكي. وبدأ العمل على استعادة القناة، واتهم الصين بأنها سيطرت عليها، وضغَط على بنما للانسحاب من مبادرة الحزام والطريق، وإلغاء جميع الاتفاقيات مع الشركات الصينية.
أمريكا اللاتينية والجنوبية هي الحديقة الخلفية لواشنطن، ولا يمكن أن تَسمح أمريكا للصين بأن تسيطر عليها، ولذلك فالتصعيد ضد فنزويلا والضغط على بنما الهدف منه إبعاد بكين، لكنّ ردة الفعل لم تظهر بعدُ، وربما يتصاعد التوتر ويتحوَّل إلى حرب بالوكالة.
بنما تُسمَّى باب البحار، وبوابة العالم، لكنّ هذه البوابة يمكن أن تتحوَّل إلى نافذة جديدة للصراع الدولي. وفي النهاية تدفع الدول الفقيرة فاتورة صراع الكبار.