في مواجهة التغيرات العميقة والمتسارعة في عالم الأعمال والتي فرضتها جملة التطورات التكنولوجية والتنظيمية والإدارية في العقود الأخيرة. برزت مرحلة جديدة تختلف بشكل جذري عن المراحل السابقة. فلم تعد المرحلة الجديدة موسومة بالبحث عن الاستقرار التشغيلي والتنظيمي والسوقي. بقدر ما غدت موسومة بالسعي وراء التميز. وفي ظل هذا الواقع الجديد باتت المنظمات على اختلاف أنماط عملها مُطالَبة بالعمل على تحقيق التميز في مختلف مستوياتها الإدارية. وفي جميع أنشطتها التشغيلية.
إن مفهوم التميز يبدأ من المستوى الفردي وينتهي بمستوى الدولة والمجتمع. مروراً ببيئة الأعمال. في ظل الظروف الحالية لن تتمكن المنظمات من الاستمرار والمحافظة على حصتها السوقية وانتشار علامتها التجارية وعلى ولاء عملائها والمحافظة على خبراتها البشرية ما لم تعتمد بشكل منهجي على أسس التميز المؤسسي. فالتميز يمكن وصفه بفلسفة إدارية وطريقة عمل وأسلوب تفكير. وهو منهج عمل متكامل لا يمكن بلوغه دون مشاركة كل المستويات الإدارية. لذلك يمكن القول بأن التميز المؤسسي يعد جمعاً لجهود التميز الفردي داخل المنظمة. وهو محصلة للإبداع الفردي والجماعي في بيئة العمل.
وانسجاماً مع الأهمية المتزايدة للتميز المؤسسي. وانطلاقاً من كونه غدا ركناً رئيساً من أركان العمل التنظيمي على مستوى المنظمات والحكومات تم تخصيص هذا الكتاب لدراسة وتحليل مختلف المفاهيم المرتبطة بالتميز المؤسسي. بحيث يكون هذا الكتاب مرجعاً أكاديمياً نظرياً ومستنداً تطبيقياً.
يبدأ الكتاب بتعريف وتوضيح المعنى اللغوي والاصطلاحي للتميز وتحديد صفات المتميز. والاطلاع على التطور التاريخي لهذا المفهوم. بدءاً من نشأته الأولى. وتسليط الضوء على ظروف اتفاقه واختلافه مع مفهوم الجودة الشاملة. ويتناول أيضاً خصائص وصفات المنظمات المتميزة.
تبلغ المنظمات مرحلة التميز من خلال اتباع جملة من الأسس. والتي تسمى بأسس التميز المؤسسي. فالكتاب يتناول بالدراسة والتحليل هذه الأسس. ويعرج أيضاً على مؤشرات قياس التميز. فدرجات التميز تختلف من منظمة لأخرى. وتحديد هذا الاختلاف والتباين يتطلب تحديد مؤشرات دقيقة للقياس. وهذا ما يتناوله الكتاب بالتفصيل. مع التركيز على العقبات الذاتية والموضوعية التي تواجه عملية القياس.
ويتناول الكتاب أيضاً مرتكزات بلوغ التميز المؤسسي. بدءاً بالقيادة الإدارية مروراً بالتخطيط الاستراتيجي وانتهاءً بإدارة الموارد البشرية. مع تبيان تفصيلي لكل هذه المرتكزات وكيفية إدارتها وتحقيق فاعليتها. كما يتناول مفهوم التحليل الموقفي وعلاقته بالتخطيط الاستراتيجي والتميز المؤسسي وأسس إجراء وتنفيذ هذا التحليل.
كما يبحث الكتاب في أسباب التميز المؤسسي والعناصر التي تحقق هذا التميز. ومِن ثَم عمد إلى تحليل معايير التميز المؤسسي عبر وجود أساس متين لتفعيل إطار الحوكمة في المؤسسات. وهو ما يعرف بالحكم الرشيد. أو الحكم الذي يقوم على التطبيق السليم للقواعد والقوانين التي تجري بموجبها إدارة المؤسسة والرقابة الفاعلة عليها.
بالإضافة إلى ذلك يحلل الكتاب آليات تفعيل الحوكمة من خلال رفع مستوى الشفافية. لا سيما الالتزام بالقوانين التي تتوافق مع البيئة القانونية المحلية الناظمة لقطاع الأعمال. علاوةً على الحرص على حماية حقوق مختلف أصحاب المصالح كحمَلة الأسهم والعملاء والموردين والبيئة الخارجية المحلية والالتزام بمعايير المسؤولية الاجتماعية.
يعد مفهوم المنظمة المتعلمة أحد المفاهيم الحديثة التي تلقى انتشاراً واسعاً في عالم الأعمال أفقياً وعمودياً على المستويين الخاص والعام. ويؤثر هذا المفهوم بشكل مباشر على مؤشرات التميز المؤسسي. وانطلاقاً من أهمية هذا المفهوم يسعى الكتاب لتوضيح كيفية وصول المنظمات لمرحلة المنظمة المتعلمة. وأثر ذلك على بلوغ التميز المؤسسي.
وعرج الكتاب على العلاقة بين التميز وتصميم وإعداد الخطة الإجرائية لتطوير الأداء المؤسسي. وذلك من خلال تشكيل فريق العمل القادر على إعداد وتنفيذ هذه الخطط. مع تحديد الجدول الزمني اللازم لإدارة هذه الخطط وتنفيذها وتحديد الأهداف العامة للتطوير. مع التركيز على رفع مستويات الأداء المتوقع. وذلك بالتزامن مع تطبيق نظام متابعة ومراقبة وتقييم.
يرتبط التميز بعلاقة عضوية ومباشرة بالإبداع والابتكار. لذلك يسعى الكتاب لدراسة هذه العلاقة. وتحديد أثر الإبداع والابتكار على قدرة المنظمات على بلوغ درجة التميز. ويتناول مفهوم الإبداع على المستويين الفردي والمؤسسي. وتحديد الأسس والمرتكزات اللازمة لنقل وتحويل الإبداع من حالة فكرية إلى تطبيق عملي ينعكس على مخرجات ونتائج العمل.
تواجه المنظمات خلال سعيها للتميز جملة من المعوقات الذاتية والموضوعية. والتي قد تؤثر على القدرة على بلوغ التميز. واستنادًا لخطورة هذه المعوقات تناول الكتاب بالتفصيل أهم المعوقات الذاتية والموضوعية التي تواجه المنظمات. وكيفية التعامل معها. مقسماً إياها إلى ذاتية وموضوعية. منها ما هو مرتبط بالبيئة الداخلية وأخرى بالخارجية. وأسلوب وآلية التعامل تختلف تبعاً لاختلاف نطاق ومصدر التأثير.
مع التطور الواضح الذي شهده مفهوم التميز المؤسسي في العقود الأخيرة. بات هناك العديد من النماذج الدولية للتميز. وأهمها النموذج الأمريكي والأوروبي والياباني. إضافة لنماذج أخرى فرعية. والعديد من الدول تسعى لبناء نماذج تميز خاصة بها. وتعد هذه النماذج الناظم الأهم والموجه الرئيس لأنشطة المنظمات والحكومات لبلوغ مرحلة التميز. فالكتاب واستناداً لأهمية هذا النماذج يتناول بالتفصيل دراسة وتحليل أهم النماذج العالمية. وتحديد نقاط قوتها وضعفها. كما يتناول أهم نماذج التميز في العالم العربي.
عرج الكتاب أيضاً على دراسة واقع التميز المؤسسي في العالم العربي. ونوَّه للعقبات والتحديات التي تواجه بيئة العمل العربية وتحول دون ارتفاع مؤشرات التميز فيها على المستويين العام والخاص.
قدم الكتاب جملة من النتائج. أهمها ضرورة وجود بيئة داخلية في المنظمات قادرة على دعم الجهود لبلوغ مرحلة التميز. مع التركيز على أهمية المسؤولية الاجتماعية في هذا المجال. إضافة لضرورة وجود إطار تنظيمي قادر على تحفيز الإبداع والابتكار. وتمتع الهيكل التنظيمي بمرونة كافية لإنشاء علاقات تنظيمية غير رسمية في بيئة العمل. وهو ما ينعكس إيجاباً على مؤشرات البيئة الداخلية كالرضا الوظيفي والالتزام التنظيمي والسعادة المهنية. والتي بدورها تنعكس إيجاباً على مؤشرات التميز المؤسسي.
كما خلص الكتاب إلى أن أهم معوقات التميز المؤسسي في بيئة العمل العربي يتمثل في ضعف الالتزام بنماذج التميز. إضافة لضعف ثقافة التميز على المستوى الفردي والمؤسسي والحكومي. وفي هذا المجال قدم الكتاب جملة من التوصيات. أهمها: ضرورة صياغة نماذج للتميز تتناسب مع خصائص بيئة العمل العربية. بحيث لا يتم استنساخ نماذج غربية وإسقاطها بشكل تام. فنماذج التميز تعد انعكاساً لخصائص بيئة وثقافة العمل المحلية. لذلك لا بد لكل بيئة من نموذج خاص بها يعكس خصائصها وينسجم مع فلسفتها الإدارية والتنظيمية.