شَارِك المَقَال

تشير البيانات إلى أن الشباب العربي يشكلون نسبة لا بأس بها على منصات تداول العملات الرقمية. فعدد المتداولين العرب بالعملات الرقمية يبلغ قرابة 4,5 مليون شخص. وهو رقم مرتفع نسبياً. فما دلالات ونتائج ارتفاع نسبة العرب المتداولين في العملات الرقمية؟ والسؤال المهم: ما أسباب ودلالات ارتفاع نسبة الشباب العربي على منصات العملات الرقمية؟

 

كيف تتوزع نِسَب العرب المتداولين بالعملات الرقمية؟

في الحقيقة تختلف أعداد المتداولين العرب بين دولة وأخرى. فمصر تشكّل العدد الأكبر بأكثر من 1,7 متداول. والسعودية 452 ألف متداول. وسوريا 178 ألف متداول. واليمن 278 ألف متداول. ومن الملاحظ هنا أن الأعداد الكبرى للمتداولين تأتي من الدول الأقل دخلاً والأكثر فقراً.

أما فيما يتعلق بالتوزيع العمري للمتداولين العرب فغالبيتهم في الشريحة العمرية بين 20 – 40 عاماً. والذين ينتمون -وفقاً لعلم الاجتماع- إلى جيلي Z & Y. وذلك لكون هذه الشريحة العمرية الأكثر قدرة على التعامل مع الأدوات التكنولوجية المطلوبة للتعامل مع العملات الرقمية.

 

ما دوافع الشباب العرب للتداول في العملات الرقمية؟

حققت العملات الرقمية في السنوات السابقة أرباحاً ضخمة لبعض المتداولين. خاصةً أن البعض منهم حقّق أرباحاً سنوية 100%. بمعنى أن أموالهم تضاعفت في عام واحد. وهو ما فتح شهية العديد لتحويل المدخرات إلى مجال العملات الرقمية. لكن خسر البعض منهم نسبةً كبيرةً من رأس المال نتيجة تدهور قيمة هذه العملات مؤخراً.

الربح والخسارة في تداول العملات الرقمية لا يعود لخبرة أو سذاجة المتعامل بل لحظه فقط. فهي قضية حظ ليس إلا. وأشبه ما تكون بالمقامرة. ولكن الخسارة هنا لا تعني خسارة رأس المال فقط بل خسارة جهد سنوات. خاصة أن غالبية المتداولين من أبناء الطبقة الفقيرة أو المتوسطة. والتي تعد بالغة الحساسية للخسارة المالية لعدم قدرتها على تعويض الخسارة بسهولة.

تقوم العملات الرقمية على مخاطر كبرى. فلا وجود لأصول مادية تضمن الاستثمارات. فهي قيم افتراضية لا وجود مادي لها. فعملياً هي بلا أي شكل من أشكال التغطية. وهذا ما يعزز من تذبذبها الحاد. فمن يستثمر في أصول لا وجود مادي لها يمكن القول بأنه يضع أمواله في مهبّ الريح.

بمراجعة سريعة لعالم الاستثمار نجد أن مستثمرين كبار ومخضرمين يستخدمون كل خبراتهم ورؤوس أموالهم في أعمال استثمارية. ليحققوا عوائد قد لا تتجاوز 30% في أفضل الأحوال. فكيف يمكن تحقيق ذات النسبة من الربح وبدون جهد ولا خبرة؟! فالربح بدون جهد وبدون عمل خرق لقانون الطبيعة والاقتصاد ولا بد أن هذا الخرق سيعود بالخسارة على المتداولين.

من الملاحظ أن شهية الربح السريع والسهل قد تُعمِي بصيرة الشباب. فينصرفون عن اكتساب مهارة أو خبرة حقيقية. بل قد ينفقون أعمارهم في تتبّع بورصات العملات الرقمية. وهو ما يشكّل خسارة حقيقية لأعمارهم ولأسرهم ومجتمعاتهم ودولهم.

 

ما الدول المنكوبة في تداول العملات الرقمية؟

من اللافت للنظر أن بعض الدول المنكوبة ذات معدلات الفقر التي تتجاوز 90%. مثل سوريا واليمن تتفوق في عدد المتداولين على الدول الغنية كغالبية دول الخليج. وحتى مصر الدولة ذات مستوى الدخل المنخفض تتفوق على كل الدول العربية في عدد المتداولين بالعملات الرقمية.

إن الفقر الحاد وانعدام الفرص الاقتصادية أمام الشباب قد تدفعهم باتجاه خيارات غير صحيحة. إلا أنه وبهكذا الشكل يتم حل المشكلة بمشكلة أخرى. وهنا قد يكون أي مشروع اقتصادي مهما كان بسيطاً قادراً على تنمية رأس المال البسيط. خاصة أن المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر تشكل حاضنة حقيقية لجهود وطاقات هؤلاء الشباب.

إن فساد ثقافة العمل يُعدّ نَخْراً للمجتمعات العربية. فلا يمكن التطور على مستوى الفرد أو المجتمع أو الدولة إلا عن طريق العمل. فلا بد من دعم ثقافة العمل الحقيقي. فالتسمّر أمام شاشات البورصات لن يحل مشكلات الشباب بل سيفاقم من مشاكلهم ويهدد حاضرهم ومستقبلهم.

شَارِك المَقَال