يعاني لبنان من أزمة كهرباء خانقة تصاعدت خلال السنوات الأخيرة. ففي عدة مرات دخلت كامل البلاد بحالة تعتيم كامل نتيجة انعدام توليد الكهرباء بشكل كامل. وهو ما سبّب شللاً شبه تام للبلاد. في ظل هذه الظروف يأتي مشروع الربط الكهربائي وتغذية لبنان عن طريق الأردن مروراً بسوريا. وهو ما يطرح تساؤلات حول أثر هذا المشروع على كلّ الدول المشاركة به. والسؤال الأهم هنا: ما الأثر الاقتصادي والسياسي لمشروع تزويد لبنان بالكهرباء؟
يحتاج لبنان إلى 3,200 ميغا واط لتغذية البلاد بالكهرباء على مدار الساعة. وهو ما لم يستطع تحقيقه منذ عقود. وكان متوسط إنتاجه من الكهرباء في مطلع عام 2021م 1600 ميغا واط. إلا أن التوليد تراجع بسبب الأزمة المالية وعدم توفر الفيول إلى 450 ميغا واط. وهو ما يغطي أقل من 3 ساعات تغذية في اليوم. وهذا الرقم في تراجع.
جوهر مشكلة أزمة الكهرباء في لبنان مالية. وذلك بسبب عجز حكومة لبنان عن توفير تكلفة استيراد الفيول والغاز اللازمين لتشغيل محطاتها الحرارية. كما أن أزمة الكهرباء في حكومة النظام أثرت على لبنان. كون الأخير كان يعتمد بشكل كبير على سوريا في توفير جزء من احتياجاته من الكهرباء.
يقوم المشروع في جوهره على الربط الكهربائي بين الأردن وسوريا ولبنان. بحيث يتم تزويد الأخير بـ 250 ميغا واط. وهذه الكمية في الحقيقة لا تحل مشكلة لبنان. لكنها تخفّف منها قليلاً. فهذه الكمية تكفي لتغذية البلاد بساعتي كهرباء يومياً فقط. فالمشروع لا يحل مشكلة لبنان أبداً. ولكنه يخفّف منها ولا يقدم حلولاً جذرية للمشكلة.
من جهة أخرى سيتم منح النظام السوري 18 ميغا واط كأجر على مرور التيار الكهربائي في أرضه. فهذه الكمية لا تكفي لإنارة مدينة صغيرة. فالنظام هو الآخر يمر بأزمة كهرباء خانقة تشبه إلى حد ما أزمة لبنان. فالمشروع لا يقدم للنظام السوري من الناحية الاقتصادية قيمة حقيقية. فالقيمة المتحققة زهيدة للغاية وتكاد لا تُحْدِث أيّ فَرق على أرض الواقع.
لقد تكفّل الأردن بتقديم الكهرباء للبنان. وعموماً تمكّن الطاقة الإنتاجية الأردنية من تغطية هذا الرقم. فالأردن يولد 4200 ميغا واط. بينما حاجته الفعلية 3,200 ميغا. وهو ما يعني وجود وَفْر قَدْره 1,000 ميغا بإمكانه بيعها. وتبلغ قيمة الكهرباء التي سيستفيد بها لبنان 200 مليون دولار سنوياً سيقوم البنك الدولي بتغطيتها. ويعتمد الأردن بشكل رئيس على الغاز المصري في توليد الكهرباء.
فيما يخص البنية التحتية للمشروع فهي في غالبيتها جاهزة. وذلك في ظل مشروع الربط الكهربائي بين كل من ليبيا ومصر والأردن وسوريا ولبنان وفلسطين والعراق وتركيا. والذي تم الاتفاق عليه عام 2001م وتم تنفيذ جزء منه. ثم توقف استكماله عام 2012م بسبب الحرب في سوريا.
كما يقوم المشروع على تزويد لبنان بالغاز المصري لتشغيل محطات التوليد. وذلك بالاستفادة من خط الغاز العربي. والذي خُطِّط له أن ينقل الغاز المصري إلى أوروبا بشبكة أنابيب يبلغ طولها 1,200 كم. لكن توقَّف المشروع عام 2011م.
في عام 2003م تم إنجاز المرحلة الأولى ومد الأنابيب من العريش المصرية إلى العقبة الأردنية بطول 265 كم. والمرحلة الثانية عام 2005م من العقبة إلى الحدود السورية بطول 390 كم. والمرحلة الثالثة من الأردن إلى دير علي في سوريا عام 2008م ومنها إلى حمص بطول 324 كم. والرحلة الرابعة كان من المفترض أن تربط سوريا بتركيا لكن الحرب أوقفتها.
من الناحية العملية لن يقدّم هذا المشروع قيمةً حقيقيةً ملموسةً للنظام. فالنظام يعاني من تدهور حقيقي في كل جوانب الحياة. فرفده بـ 18 ميغا واط لن تغيّر أيّ شيء في واقعه الاقتصادي المتأزم. فالكهرباء في مناطقه لا تكفي إلا لتغذية ساعتين أو ثلاث في اليوم. والمحروقات ووقود السيارات تتوفّر في حدودها الدنيا. وهو ما أدخل البلاد بحالة شلل اقتصادي شبه تام.
أما فيما يتعلق بالمنفعة السياسية للنظام فهي موجودة وتفوق نظيرتها الاقتصادية بشكل واضح. فالنظام من خلال هذا المشروع تمكّن للنفاذ إلى الوسط العربي وإن كان بشكل محدود. وتمكن وإن كان بشكل محدود من كسر العزلة السياسية العربية. فهذا المشروع مكَّن حكومة النظام من لقاء مسؤولين عرب من لبنان ومصر والأردن.
يأمل النظام من هذا الخرق البسيط أن يتمكّن من تسويق نفسه في المحيط العربي. لا سيما أن الأردن يبدو متحمساً لتسويق النظام. وهنا يظهر دور الزيارات التي قام بها ملك الأردن قبيل الإعلان عن المشروع إلى الولايات المتحدة وإلى روسيا. فالأردن يرغب بتسويق النظام لتدعيم اقتصاده من خلال تحفيز تجارة الترانزيت من موانئ سوريا إلى دول الخليج العربي. ولكن هذا الأمر لم يتحقّق حتى الآن. فالأرقام تفنّد أي منفعة حقيقية تحقّقت للأردن على الأقل حتى الوقت الراهن.
تدل كل المؤشرات على أن المشروع في طريقه إلى التنفيذ. وبالتأكيد فإن الموافقة الأمريكية الضمنية تعد المؤشر الأهم على تنفيذ المشروع. فبالعودة لعدة شهور وتحديداً لعملية “التسوية” في محافظة درعا وتهديد النظام آنذاك بعملية عسكرية في المحافظة. لم يصدر عن الولايات المتحدة أي إدانة لهذا التهديد. فهذه الموافقة الضمنية تشير إلى تسهيلات أمريكية لنجاح المشروع.
الموافقة الأمريكية تعود لكونها تخشى من دخول إيران على خط الكهرباء في لبنان. لا سيما أنها دخلت من باب المحروقات سابقاً بإرسالها شحنات وقود إلى ميناء بانياس السوري وتم نقلها بالصهاريج إلى لبنان. فأمريكا تخشى من توغل إضافي لإيران في لبنان. لذلك قد تضحي بفك جزئي لعزلة الأسد مقابل عدم وقوع لبنان بالكامل بقبضة إيران الاقتصادية. لذلك فالمشروع على الأغلب سيتم تنفيذه بالكامل.
في النهاية لا يمكن النظر لهذا الاتفاق على أنه انفتاح اقتصادي على النظام. وفي ذات الوقت لن يُحْدِث تغييراً حقيقياً في واقع الطاقة في سوريا ولبنان. فهو لا يعدو كونه محاولة أمريكية لإيقاف المد الإيراني في لبنان.