شَارِك المَقَال

شهد العالم الإسلامي خلال العقود السابقة عدة اقتراحات اقتصادية تصب في خانة دعم الاقتصاد الإسلامي. آخر هذه الاقتراحات اقتراح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فيما يتعلق بإنشاء بنك إسلامي كبير. إضافة لتفعيل التبادل بالعملات المحلية. فما هي متطلبات هذه الفكرة وما عقباتها وما أثرها المتوقع؟

 

مبررات البنك الإسلامي

جاء اقتراح الرئيس التركي خلال قمة مجموعة الثماني الإسلامية، وتشكلت هذه المجموعة عام 1997م بناء على اقتراح رئيس الوزراء التركي آنذاك نجم الدين أربكان. وتعتبر دول مجموعة الثماني الإسلامية من أكبر الدول الإسلامية كما تمتلك مقومات اقتصادية وجغرافية وديمغرافية تدعم فرص نجاح هذا المشروع.

على الرغم من مضي نصف قرن على ظهور النظام المالي الإسلامي وانتشار البنوك الإسلامية فإن أثرها الاقتصادي ما زال محدودًا نسبيًّا. لا سيما فيما يتعلق بجانب الاقتصاد الحكومي، فالبنوك الإسلامية نجحت في تقديم خدماتها للأفراد إلا أنها لم تستطع تقديم خدمات حقيقية لحكومات الدول الإسلامية.

ما زالت الدول الإسلامية تتعامل بالنظام المالي الرأسمالي، مما أدى لاستمرار التعامل بسعر الفائدة، ناهيك عن استيراد هذه الدول للأزمات المالية والاقتصادية من دول العالم الرأسمالي، وهذا ما يحتاج لحل جذري لهذه القضية. لذلك تعتبر فكرة البنك الإسلامي المشترك حلًّا جذريًّا لهذه المشكلة.

وفقًا لما اتضح من اقتراح الرئيس التركي فإن البنك الإسلامي المقترح سيكون بنكًا للحكومات وللبنوك الإسلامية الأخرى. فهو يماثل البنك المركزي من حيث كونه بنك البنوك، مع اختلاف جذري يتمثل في كونه قائمًا على مبادئ التمويل الإسلامي.

 

المنصة الإلكترونية

قد تبدو فكرة البنك الإسلامي المشترك مطروقة سابقًا بشكل أو بآخر. إلا أن الجديد في اقتراح الرئيس التركي هو المنصة الإلكترونية. فالبنك المقترح يمكن وصفه بالبنك الافتراضي، فهو يقدم خدماته للبنوك الإسلامية وللحكومات عبر الأدوات التكنولوجية. وهذا ما نوه إليه الرئيس التركي، فالاقتصاد الحالي قائم على الأدوات التكنولوجية وعلى اقتصاد المعرفة.

يمكن القول بأن فكرة المنصة الإلكترونية للبنك الإسلامي المقترح تعتبر الأولى من نوعها. فهذه المنصة تجعل لجميع الدول والبنوك الإسلامية نفس الفرصة في الحصول على خدمات البنك. إضافة إلى ذلك فإن هذه المنصة ستزيد من فاعلية الخدمات لا سيما إذا تم مقارنتها بتوقف غالبية الخدمات المصرفية في ظل الإغلاق الاقتصادي عقب انتشار كورونا.

من شأن المنصة الإلكترونية تسهيل عمليات الدفع وسهولة الوصول للبيانات المتاحة. كما أنها تسهل وتحفز التبادل التجاري بين الدول الإسلامية، وتعتبر هذه المنصة مدخلًا لتطوير الأدوات المالية المستخدمة. فتحديث الخدمات الإلكترونية في ظل هذه المنصة يعتبر أمرًا سهلًا وممكن التطبيق بأقل التكاليف المالية والزمنية.

من مزايا المنصة الإلكترونية للبنك المقترح تخفيض تكاليف التشغيل إلى حدودها الدنيا، والذي من شأنه زيادة فاعلية البنك وزيادة قدرته في تقديم الخدمات المالية للدول الأعضاء. كما من شأنه حماية اقتصادات الدول الأعضاء من التأثر بالأزمات المالية العالمية.

 

مقومات البنك الإسلامي المشترك وفرص نجاحه

تعتبر فكرة إنشاء بنك إسلامي كبير ومشترك فكرة واقعية وقابلة للتنفيذ. لا سيما أن المقومات الاقتصادية والجغرافية والديمغرافية للدول المعنية تدعم هذه الفكرة. فعدد سكان الدول الثماني الإسلامية يتجاوز 1,1 مليار شخص.

يعتبر الموقع الجغرافي للدول الثمانية الإسلامية من مقومات نجاح الفكرة. وهذه الدول هي تركيا وإيران ومصر ونيجيريا وماليزيا وباكستان وبنغلاديش وإندونيسيا. فهذه الدول تشمل غرب شمال شرق أفريقيا وآسيا الوسطى وشرق آسيا. كما أنها تقع على أهم الممرات التجارية العالمية مما يزيد من فرص نجاح المشروع.

وفيما يتعلق بالفرص الاقتصادية لنجاح الفكرة فإن إجمالي تجارة دول المجموعة يتجاوز 1,6 تريليون دولار. وهو ما يشكل 4,5% من حجم التجارة العالمية، والناتج المحلي الإجمالي لدول المجموعة يبلغ 3,8 تريليون دولار وهو ما يشكل 3,8% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

تستحوذ دول المجموعة على 10% من إجمالي الاستثمارات العالمية، كما تحقق عائدًا إجماليًّا من السياحة يزيد عن 100 مليار دولار سنويًّا. فهذه المقومات وغيرها تعتبر من عوامل نجاح الفكرة، فالخدمات المصرفية تزداد فرص نجاحها بارتفاع مستوى النشاط الاقتصادي.

 

الأثر الاقتصادي لإنشاء بنك إسلامي مشترك ومعوقاته

من المتوقع أن تؤدي فكرة البنك الإسلامي والمنصة الإلكترونية إلى جملة آثار اقتصادية على الدول الأعضاء في المجموعة. أبرز هذه الآثار زيادة التبادل التجاري البيني بين هذه الدول. والأهم هو حماية اقتصادات هذه الدول من تذبذب قيمة العملات، لا سيما أن اقتراح الرئيس التركي يشمل تفعيل التبادل بالعملات المحلية والاستغناء عن العملات العالمية.

ومن الآثار الإيجابية أيضًا حماية هذه الدول من استيراد الأزمات العالمية. على الأخص استيراد التضخم، إضافة لزيادة استقرار العملات المحلية وتحفيز الاستثمارات البينية بين الدول. وتقديم دعم مالي للمنظومة المالية الإسلامية وزيادة فاعليتها.

ترتبط فكرة البنك الإسلامي بجملة معوقات، قد يكون أبرزها ارتباط بعض دول المجموعة بعقود تجارية مع الدول الغربية تحول دون إمكانية تفعيل التبادل التجاري البيني. إضافة لكون هذه الدول وعلى الرغم من تقدمها التكنولوجي النسبي فإنها بحاجة للتكنولوجيا الغربية الفائقة التطور.

ومن المعوقات أيضًا ارتباط النظام المالي والمصرفي لجميع دول العالم بالمنظومة الرأسمالية. وحل هذه القضية بحاجة لمدة طويلة نسبيًّا. فلا يمكن الخروج من عباءة النظام الرأسمالي بشكل مباشر وسريع. بل يحتاج للخروج التدريجي.

يحتاج تفعيل النظام الاقتصادي لعدة مشاريع، فمشروع البنك الإسلامي المشترك قد تزداد فاعليته في حال اعتماد عملة إسلامية موحدة. فالنظام الاقتصادي الإسلامي يحتاج لعدة مؤسسات مالية رديفة حتى يتمكن من تحقيق أهدافه في حماية اقتصاد الدول الإسلامية من التذبذبات العالمية.

شَارِك المَقَال