شَارِك المَقَال

تتكرر كل عام مظاهر المخيمات الغارقة بمياه المطر والتي تزيد معاناة اللاجئين السوريين. وبصفة عامة فإن حياة اللجوء قاسية بطبيعتها إلا أن الشتاء ببرده ومطره يفاقم الوضع سوءاً. وغالباً ما توجه أصابع الاتهام لـ المنظمات الإنسانية بالتقصير في خدمة هؤلاء اللاجئين. فهل هذا الاتهام صحيح؟ وما آثار هذه الاتهامات على العمل الإنساني وعلى اللاجئين؟

 

وفي الوقت الحالي يقطن مئات الآلاف من السوريين في مخيمات غالبيتها عشوائية.  غالبيتها خيام قماشية أو مسقوفة بالصفيح في أحسن الأحوال. وتعتبر هذه المخيمات بيئةً خصبةً للتأثر السريع بالعوامل الجوية. فغالباً ما تدخل مياه الأمطار إليها مما يزيد في معاناة اللاجئين. فمن المسؤول عن تردي أحوال مخيمات اللجوء؟

 

ما دور المنظمات الإنسانية في مواجهة الأزمة؟

من ناحية أخرى تعتبر المنظمات الإنسانية المحلية إحدى الجهات الفاعلة في الشأن الإنساني السوري لكنها ليست الجهة الوحيدة التي تقدم الخدمات للاجئين. فهناك المنظمات الدولية والحكومات التي تستضيف اللاجئين. وبصفة عامة فجميع هذه الجهات مناط بها تقديم خدمات إنسانية إلا أنه نادراً ما يشار إليها بإصبع الاتهام.

قبل كل شيء تتلقى الحكومات المضيفة للسوريين مِنحاً ماليةً لدعم اللاجئين. على سبيل المثال تلقت تركيا 6 مليارات دولار. كما تلقى لبنان 1,68 مليار دولار والأردن 2,4 مليار دولار. إلا أن بعض الحكومات لم تستثمر هذه الموارد لتحسين المخيمات. فهناك فرق واضح بين واقع المخيمات التركية والمخيمات في الداخل أو في لبنان والأردن. ونادراً ما توجه أصابع الاتهام للحكومات المقصرة بل تتجه للمنظمات الإنسانية.

 

من جهة أخرى تتلقى المنظمات الإنسانية المحلية أقل من 10% من إجمالي التمويل المقدم لدعم اللاجئين السوريين. بينما غالبية التمويل ينتهي لدى الحكومات والمنظمات الأممية. إلا أن النصيب الأكبر من التهم بالفساد والتقصير يكون من نصيب المنظمات الإنسانية المحلية.

 

لماذا الاتهام بالفساد والتقصير؟

ليس المقصود بهذا الحديث التقليل من أي جهد أو التشكيك في النوايا. وللإنصاف لا بد لنا أن نتذكر التهم التي طالت بعض المنظمات الإنسانية بالمساهمة في التغيير الديمغرافي عندما سعت لاستبدال المخيمات بمساكن إسمنتية. وعندما أغرقت المخيمات بالماء والطين تم اتهامها بالتقصير. فهذا التناقض في الاتهام دليل على عدم الموضوعية.

 

في الواقع إن توجيه أصابع الاتهام بالفساد والتقصير للمنظمات الإنسانية من شأنه الإضرار بمنظومة العمل الإنساني. لا سيما أن هذه الاتهامات توجه لجميع المنظمات. الأمر الذي يلقي بآثاره السلبية على كل أطراف العملية الإنسانية والمتمثلة في المنظمات الإنسانية والمستفيدين.

 

وفي الوقت نفسه يفوق عدد اللاجئين والنازحين السوريين 10 ملايين شخص. وهو ما يتجاوز عدد سكان العديد من الدول. فتوفير الخدمات الكاملة لهم يحتاج لموازنة دولة وهو ما ليس متوفراً. لا سيما أن حجم الكارثة كبير أكبر من الجميع. وفي ظل هذه الظروف الأجدى التعاون بين مختلف الأطراف على تخفيف المعاناة.

 

لا ينبغي أن يفهم الطرح السابق على أنه دعوة لترك المحاسبة والانتقاد، فعلى العكس تماماً يشكل الانتقاد الحقيقي مطيةً للتطوير وزيادة فاعلية العمل الإنساني، وأي تقصير مثبت لا بد من محاسبته.

 

ما أبرز تحديات بيئات اللجوء؟

إن العقبات الموضوعية المحيطة ببيئة اللجوء تفرض صعوبات عدةً على عمل المنظمات الإنسانية. وفي ذات الوقت هناك عقبات ذاتية داخل منظومة العمل الإنساني نفسه. وعلى رأسها انخفاض التنسيق بين المنظمات العاملة في ذات المنطقة. فبعض المناطق تتلقى مساعدات فائضةً وفي المقابل مناطق أخرى تعاني من ندرة الخدمات.

 

علاوة على أن ضعف التخطيط والعشوائية في العمل يعتبر من العقبات الذاتية التي تضعف فاعلية العمل الإنساني. فبعض المشاريع ذات الأهمية الثانوية تنفذ مقابل تراجع واضح في المشاريع ذات الأولوية. بالإضافة إلى هدر الموارد وانخفاض مستوى المحاسبة والحوكمة والشفافية الإدارية المالية. وهذا من شأنه هدر أموال المانحين.

 

اختلاف المنظمات الإنسانية

من جهة أخرى تختلف المنظمات الإنسانية فيما بينها بمستوى الفاعلية والشفافية والمحاسبة. فالعديد من المنظمات تعمل بعشوائية مقابل أخرى تعمل بتنظيم تام. لهذا السبب لا يجوز تحميل المنظمات الناجحة وزر تلك المنخفضة الفاعلية. فالعامل بجد وإخلاص يُشكر ويُثنى عليه، والمقصر يُنتقد ويُحاسب على تقصيره وهدره للموارد.

 

غالبية التقصير الحاصل لدى بعض المنظمات قد لا يكون سببه سوء نية بل سببه الرئيس غياب الكفاءات القادرة على قيادة العمل. وهذا الخلل يظهر على مستوى الإدارة العليا بالدرجة الأولى والإدارة الوسطى بالدرجة الثانية.

 

إن التعاون والتنسيق بين المنظمات الإنسانية بالغ الأهمية لإنجاح الجهود ولتحقيق الفائدة. بالإضافة إلى ذلك لا بد من إنشاء غرفة عمليات إنسانية مشتركة تنسق الجهود بين المنظمات والمؤسسات الدولية والحكومية. علاوة على تحديد الاحتياجات اللازمة لكل منطقة وترتيب الأولويات وتبدأ بالتنفيذ بدءاً من الأهم فالمهم.

 

بصفة عامة بعد عشر سنوات من عمر الأزمة السورية لا بد من مراكمة الخبرات وتعزيزها ومعرفة مكامن الخلل والعمل على إصلاحه. فمن غير المنطقي تكرار ذات الأخطاء وهذا الأمر لا يتم إلا من خلال إجراء مراجعة دورية وتقييم مرحلي للأداء.

 

في النهاية من لا يعمل لا يخطئ. ومن يخطئ لا بد من إعادة تقييم أدائه. وهذا لا يمكن أن يتحقق دون المكاشفة والحوار وتبادل الرأي مع أهل العلاقة ناهيك عن أهل المشورة والرأي. وهنا يتبادر لذهني سؤال: هل ثمة اجتماع عُقد لتقييم تجربة العمل الإنساني في الداخل؟ ما التجربة الدولية التي اطلعنا عليها وحاولنا الاستفادة منها؟ هذه الأسئلة وغيرها تدفعنا للتفكير الجدي لضرورة عقد لقاء يجمع كل أطراف الشأن الإنساني للإفادة والاستفادة والتطوير. وبصورة شاملة للخروج بخريطة عمل إنساني جديدة. وإلا فالعجلة ستدور في مكانها وسيأتينا الشتاء القادم بذات الصور المفزعة لحال الخيام وأهلها.

 

ختاماً لا بد من التأكيد على الحرص على فصل المنظمات الفاعلة عن تلك المنخفضة الفاعلية وعدم توجيه الاتهامات والانتقادات لكل المنظومة. فلا بد من محاسبة المقصر والثناء على العامل بفاعلية. فهذا المبدأ يحقق العدالة ويكافئ العامل ويعاقب المتقاعس.

 

شَارِك المَقَال