لا يخفى على أحد الدعم الغربي “المستميت” لإسرائيل، سواء من أوروبا الغربية أم الولايات المتحدة، فالأخيرة على سبيل المثال، وبعد هجوم السابع من أكتوبر، وافقت على 14,3 مليار دولار كمساعدات لإسرائيل، مقابل 66 مليار دولار تقريبًا قَدَّمَتْها لأوكرانيا منذ بَدْء الاجتياح الرُّوسيّ حتى الآن، بمُعدَّل 3 مليارات/شهريًّا.
ناهيك بالدَّعْم الثَّابت لإسرائيل؛ دبلوماسيًّا وماليًّا وعسكريًّا، والتَّصريحات الحميمة الدَّاعمة لها، حتى صرَّح وزير الخارجيَّة الأمريكيّ أنتوني بلينكن، بأنّ إسرائيل غير مُضطرَّةٍ إلى الدِّفاع عن نفسها ما دامت أمريكا موجودة!
وبخلاف المُساعَدات، تُوجَد عَلاقات تاريخيَّة واقتصاديَّة قويَّة مع إسرائيل، فالولايات المُتَّحدة هي الشَّريك التِّجاريّ الأكبر لإسرائيل؛ حيث تَبْلغ التِّجارة الثُّنائيَّة السَّنويَّة ما يقرب من 50 مليار دولار في السِّلع والخدمات، ولكنّ هذه الشَّراكَة التِّجاريَّة ليست سببًا في عَلاقة إستراتيجيَّة بهذه القوَّة، بل نتيجة لها.
يرى الغرب أنّ إسرائيل تُمثِّل قِيمَةً إستراتيجيَّةً كبيرةً لضمان استقرار الشَّرق الأوسط، ومن ثمّ مَنْع أيّ تَهْديدٍ يَصِل إلى إمدادات النِّفط الإقليميَّة التي تَعْتَمد عليها أمريكا، كما اعْتَمَدت الولايات المتَّحدة بشكلٍ أكبر على إسرائيل بناءً على تَصَوُّرٍ مفاده أنّ لديهما كثيرًا من القِيَم والمَصالِح المُشترَكَة.
ومن الأسباب أيضًا؛ العَلاقات التَّاريخيَّة والثَّقافيَّة بين الدُّوَل الغربيَّة وإسرائيل، خاصَّة فيما يَتَعلَّق بالتُّراث اليهوديّ المسيحيّ المُشتَرَك، كما تَلْعب مَزاعِم الهولوكوست دَوْرًا في هذا الالتزام الغربيّ بدَعْم إسرائيل؛ إذ تَشْعر دُوَل عدَّة بالتزامٍ أخلاقيّ بضمان سلامة ورفاهية الشَّعب اليهوديّ.
كما أنّ التزام الغرب نحو إسرائيل التزام إستراتيجيّ، فلو لم تكن إسرائيل موجودةً لاخْتَرَعَ الغرب أخرى؛ فهي الرَّكيزة الأساسيَّة في الخطَّة الغربيَّة لخَلْق «شرق أوسط مُتَكامِل ومُزْدَهر وآمِن» بحسب الرُّؤية الغربيَّة؛ حتى تَتَفرَّغ الولايات المتَّحدة وحلفاؤها لأجزاء أخرى من العَالَم، بما في ذلك روسيا والصِّين.
علاوةً على ذلك، فالدَّعم الغربيّ والأمريكيّ لإسرائيل يمكن أن يَرْدع الجهات الفَاعِلة المُحْتَمَلة في المنطقة التي قد تؤدِّي إلى تَصْعيد الصِّراع، مثل إيران وحزب الله في لبنان، وهو ما يَصُبّ في مصلحة الولايات المتَّحدة.
أَضِف إلى ذلك أنّ الدَّعْم الشَّعبيّ الأمريكيّ الذي تَغَذَّى على ما يُنْتِجه اللُّوبي الصّهيونيّ من موادّ دعائيَّة وتَضْليل إعلاميّ مُمَنْهَج كان أحد أسباب تلك العَلاقة، فهذا الدَّعْم يَتَحَوَّل إلى ضَغْطٍ على الإدارة، التي تَتَّخِذ بدَوْرها سياسات داعمة لإسرائيل، فَضْلًا عن الأسباب الدِّينيَّة، فدَعْم الدَّولة اليهوديَّة هو تَعْزيز لمسيحيَّة الغرب.
علاوةً على ذلك، تؤدِّي إسرائيل بعض الأدوار التي تَجْعل من الصَّعب للغرب أن يَتَخلَّى عنها، فهي أفضل شبكة جَمْع معلومات استخباراتيَّة في العَالَم، كما أنَّها الدَّولة الوحيدة في المنطقة التي تَدْعم حقوق المثليِّين، وتمتلك إسرائيل أسلحةً نوويَّةً ومُعِدَّات حربيَّة وأجهزة وأدوات تجسُّسيَّة مُتقدِّمة عبر الإنترنت.
كما أنَّ إسرائيل دولةٌ مُعترفٌ بها وتَتَمتَّع بعَلاقات تجاريَّة وعسكريَّة ودبلوماسيَّة قويَّة مع دُوَل الغرب، وتراها أوروبَّا واحةَ الدِّيمقراطيَّة وسط صحراء الأنظمة الاستبداديَّة «الشَّرقيَّة» في العَالَم العربيّ الإسلاميّ.
لهذه الأسباب، فإنّ دَعْم الغرب لإسرائيل التزام إستراتيجيّ طويل الأمد، وهو ما يؤدِّي إلى نتيجةٍ مفادها أنّ هزيمةَ إسرائيل في عدوانها على غَزَّة هزيمةٌ للغرب والولايات المتَّحدة، والهزيمة أيضًا تعني نجاح الصِّين وروسيا في الهَيْمَنة على الشَّرق الأوسط، ونهاية فِكْرة التَّطْبيع مع الدُّوَل العربيَّة، وفُقْدان النُّفوذ الأمريكيّ في المنطقة.
في الواقع إنّ هذه العَلاقة بين الغرب وإسرائيل والمستمرَّة منذ عشرات السِّنين، جَعَلت من الصَّعْب على الولايات المتَّحدة وأوروبَّا أن تنأى بنفسها بأيّ شكلٍ من الأشكال عن إسرائيل، فيما يُشْبِه الزَّواج الكاثوليكيّ الذي لا انفصال فيه!