شَارِك المَقَال

أبرمت الصين وإيران مؤخرًا اتفاقية تشمل جوانب عدة، وتم دراسة وتحليل هذه الاتفاقية من منظور اقتصادي وسياسي وإستراتيجي وعسكري. لكن ما الحجم الحقيقي لهذا الاتفاق الإيراني الصيني؟ وهل من شأنها تغيير خارطة المنطقة إستراتيجيًّا؟ أم أنها لا تتعدى أن تكون اتفاقية ثنائية تقليدية بين أي دولتين؟

 

الاتفاقية بين الواقع والتهويل

تقول الاتفاقية وفق البيانات الرسمية المعلن عنها إنها تشمل مجالات عدة، كالاستثمار في مجال النقل والطاقة والصناعة ومجالات اقتصادية أخرى. وتبلغ مدة الاتفاقية 25 عامًا، والقيمة الاقتصادية لها تبلغ 400 مليار دولار.

وفق الاتفاقية فإن الصين تتعهد بتنفيذ مشاريع واستثمارات عديدة في الأراضي الإيرانية، مقابل تعهد إيران بتقديم نفط للصين بقيمة مخفضة عن الأسعار العالمية بنسبة كبيرة. هذا فيما يتعلق بالبيانات الرسمية المعلنة، وهنا تقول العديد من التحليلات بأن هناك بنودًا سرية للاتفاقية المذكورة.

تناولت العديد من التقارير والتحليلات الاتفاقية المذكورة، فالبعض يقول بأن هناك جانبًا عسكريًّا للاتفاقية. بحيث سيتم نشر قوات صينية في إيران، كما سيتم نقل جزء من الأسلحة الصينية لا سيما الإستراتيجية منها، وبالتالي العمل على تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط تمهيدًا لتغييرها على مستوى العالم أجمع.

من التحليلات الأخرى أيضًا التي تناولت الجوانب المخفية للاتفاقية أن الصين تسعى للسيطرة على المضائق العالمية الرئيسة. كمضيق هرمز على سبيل المثال، ممّا يتيح لها التحكم بممرات التجارة العالمية، إضافة إلى ذلك تهدف الاتفاقية إلى السيطرة العسكرية على الممرات الحيوية العالمية، بما يعني سعي الصين للهيمنة على العالم.

وممّا تقوله التحليلات أيضًا، إن الصين ستشكل تهديدًا لدول المنطقة، كتركيا والسعودية ومصر وغيرها. بحيث تفرض عليها الدوران في الفلك الصيني بما يمهد لأن تصبح الصين القطب العالمي الأوحد. وذلك بعد تمكن الصين من إزاحة الولايات المتحدة الأمريكية عن عرش التحكم في العالم.

 

الأثر الحقيقي للاتفاقية

تبدو التحليلات السابقة أقرب للخيال من الحقيقية، فهي غير منطقية من جهة، ومن جهة أخرى غير قابلة للتنفيذ وللتطبيق. فهي لا تعدو كونها اتفاقية تعاون شامل بين إيران والصين، وبالتأكيد ستعود بالمنفعة على كلا البلدين. لكنها أبعد ما تكون عن تغيير الخرائط الإستراتيجية ومواطن القوة في منطقة الشرق الأوسط.

تعتبر الصين من أبرز القوى الدولية حاليًّا، فهي المنافس الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديًّا، وليس عسكريًّا. وأساسًا لا تسعى الصين للصدام أو التصعيد العسكري مع أي جهة كانت. خلال العقود الماضية بدت السياسة الصينية سياسة هادئة، كما أنها تسعى لبناء علاقات وطيدة مع غالبية دول العالم.

تسعى الصين لأن تكون اللاعب الاقتصادي الأبرز عالميًّا، وتسعى لسحب البساط من تحت الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن بالتأكيد وجزمًا مطلقًا ليس عسكريًّا. فالصين ستستخدم قوتها العسكرية في حال تعرضها لاعتداء فقط، ولا تخطط للدخول في صراعات عسكرية لا في الشرق الأوسط ولا في غيره.

تدرك الصين أن أي عمل عسكري قد يستفز العديد من الدول مما ينعكس سلبًا على أسواقها العالمية. لذلك تحرص على سياسة خارجية رصينة نسبيًّا بما يضمن تدفق بضائعها ومنتجاتها إلى قارات العالم المختلفة. ولعل الاتفاقية المذكورة تشكل خطوة باتجاه المشروع الصيني العملاق “الحزام والطريق” الموازي لطريق الحرير التاريخي.

وعلى المستوى الإيراني، فإن إيران لن تسلم أراضيها للصين مقابل 400 مليار دولار، فإيران تهدف من هذه الاتفاقية لخرق عزلتها الاقتصادية. وهذه الاتفاقية من شأنها كسر العزلة جزئيًّا وليس كليًّا، فالخناق الأمريكي على إيران شديد ولا يمكن التخلص منه بالكامل، ولكن يمكن التخفيف منه ليس إلا.

 

الاتفاق الإيراني الصيني وأمريكا

يحاول القوميون العرب ومنذ عقود طويلة التسويق لفكرة أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت في الانهيار. وأن عصر الهيمنة الأمريكية على العالم بدأ بالتلاشي. وهذا لا يعدو كونه أضغاث أحلام. فالولايات المتحدة الأمريكية تمسك بالقرار العالمي بإحكام عسكريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، وتضع يدها على حوامل الطاقة الرئيسة في العالم.

لا يمكن توقع أن تقف الولايات المتحدة الأمريكية متفرجة في مقابل اتفاقية تسعى لإبعادها عن الشرق الأوسط. والموقف الأمريكي الهادئ نسبيًّا من الاتفاقية يشي بأنها لا ترى فيها تهديدًا إستراتيجيًّا لها.

تشكل الاتفاقية الصينية الإيرانية خطوة هامة تجاه توسعة نطاق عمل الصين الاقتصادي، إضافة إلى توفير هامش مناورة اقتصادية أكبر لإيران. ولكنها لا تعدو أن تكون اتفاقية اقتصادية، فلا يجب تحميلها ما لا تحتمل من التحليل والتأويل.

شَارِك المَقَال