شَارِك المَقَال

التسويق العاطفي: رغم تعقد الدماغ البشري وصعوبة فك رموزه حتى الآن، إلا أن معظم مشاعرنا تنبع من بضع مشاعر أساسية، مثل: السعادة والحزن، والخوف والغضب، فتتحكم في تفكيرنا. وتحدد الطريقة التي نتصور بها هذه المشاعر بعضًا من قراراتنا الأكثر تعقيدًا.

 

وجد علماء النفس أن البشر يشعرون أولاً، ثم يفكرون ثانيًا. وعندما يصطدمون بمعلومات حسية. يتحرك الجزء العاطفي من الدماغ سريعًا لمعالجة المعلومات. ويستغرق خمس الوقت الذي يستغرقه الجزء المعرفي في المعالجة.

 

تركز بعض استراتيجيات التسويق على مخاطبة الدوافع العاطفية للمستهلك على حساب دوافعه العقلية؛ كون السيطرة على العاطفة وتوجيهها أكثر يسرًا من توجيه العقل. لذلك يميل المستهلك لاقتناء الكماليات مقابل عوزه للكثير من الأساسيات بسبب تحكيم العاطفة.

 

استراتيجية الدوافع العاطفية يطلق عليها “التسويق بالعاطفة”. ويشير هذا المفهوم إلى الجهود التسويقية والإعلانية التي تستخدم العاطفة مثل: السعادة والحزن، والغضب والخوف… في تحريك مشاعر العملاء وذاكرتهم عند الشراء، من أجل لفت أنظارهم والحصول على تفاعلهم الإيجابي مع المنتج أو الخدمة.

 

تسعى الرسائل التسويقية العاطفية إلى إشباع الرغبات النفسية لدى العملاء مثل: جعلهم يشعرون بالذكاء والجمال والأناقة أو أي شعور يلامس الاعتزاز بالذات والثقة بالنفس. إلى جانب المشاعر الأخرى التي قد تكون سلبية، مثل: الخوف أو الحرمان، والتي تؤثر بدورها في قرار الشراء وتكرار الشراء.

 

تنبع أهمية التسويق العاطفي من مساهمته في صياغة الانطباعات الأولى عن المنتج أو العلامة التجارية في غضون ثوان معدودة. من خلال استغلال عواطف العملاء في إكساب العلامة مكانةً مميزةً في أذهانهم. وجعل كثير من قرارات الشراء “اندفاعية” تصب في مصلحة الشركة أو العلامة التجارية.

 

هناك خمس عواطف تتحكم في الخيارات البشرية؛ يجب على المسوقين إدراكها، وهي الحب؛ ماذا يحب العميل؟ التفاخر؛ بماذا يفتخر؟ الذنب؛ هل بإمكان الشعور بالذنب في حالة عدم الشراء، أن يحفزه على الشراء؟ الخوف؛ ما هو الخوف الذي قد يحفزه للشراء؟ والطمع؛ فالجشعون يريدون المزيد وسيدفعون له.

 

التسويق بالعاطفة يتضح في العروض التجارية المستمرة. وحملات الترويج القائمة على توجيه المشاعر، فمثلًا إعلانات السجائر غالبًا ما تركز على عواطف الشباب. وتظهر المدخنين بعضلات مفتولة تثير بداخلهم الرغبة في خوض التجربة فقط لبلوغ هذه الصورة الذهنية.

 

التسويق العاطفي وشركة دوف Dove:

من أبرز العلامات التجارية العالمية التي تستخدم التسويق بالعاطفة شركة دوف Dove، فتركز على جذب اهتمام النساء بإثارة مشاعرهن تجاه قيم الجمال والقبول والتفاؤل وحب الذات والثقة بالنفس. وهذا بدوره يعزز ارتباطهن بالعلامة ويزيد حرصهن على اقتناء منتجاتها.

 

دمج العاطفة في التسويق من الطرق الناجحة لجذب اهتمام العملاء وتشجعيهم على التفاعل. لكن شريطة المعرفة العميقة بالجمهور المستهدف واحتياجاته، وإحاطة دقيقة بالمشاعر التي سيكون لها صدًى أكبر وارتباط أكثر توطيدًا بالعلامة التجارية، ومواءمة هذه المشاعر مع الأهداف التسويقية الشاملة.

 

الحملات الترويجية التي تحظى باستجابة عاطفية من المستهلكين -أعلى من المتوسط- تسببت في زيادة المبيعات بنسبة 23%. ما يقودنا لكون الرابطة العاطفية الإيجابية بين العلامة التجارية والعملاء هي الخطوة الأولى لبناء الرضا التام للمستهلكين عن منتجات العلامة أو خدماتها ومكافأتها بترشيحها للآخرين.

 

المستهلكون قادرون على الارتباط العاطفي مع العلامات التجارية بطريقة مماثلة للعلاقات الشخصية؛ إذ إن العواطف تجاه العلامة تؤدي دورًا رئيسًا وبشكل خاص في الميل إلى مواصلة العلاقة بين الطرفين. لذلك فحب العلامة عبارة عن درجة الطموح العاطفي الذي يمثل رضا العميل عن اسمها ومنتجاتها.

 

فشلت شركة دوف Dove مرارًا في صياغة استراتيجيات ذكية للتسويق العاطفي تعكس فهمها الدقيق لجمهورها وقيمه. ففي 2017م وصف أحد إعلاناتها بـ”العنصرية تجاه ذوات البشرة السمراء”؛ حيث يظهر امرأةً داكنة البشرة تخلع قميصها لتكشف عن امرأة أخرى بيضاء، بعد استخدام المنتج.

 

حذفت دوف Dove الإعلان الترويجي المسيء لذوات البشرة السمراء، واعتذرت عن الإساءة التي سببها المقطع للكثيرات من عميلاتها. هذه الحادثة لم تكن الأولى. فسبق وتم اتهامها بالعنصرية في 2011م؛ بسبب استخدامها صور ثلاث نساء متدرجات في اللون قبل وبعد استخدام منتجها.

 

تغليب العاطفة على العقل أصبح على المدى البعيد أسلوب حياة. لا يرتبط فقط بالبيع والشراء وإنما تجاوزه لاتخاذ القرارات الشخصية. فالتسويق العاطفي أدى لخلل في المحاكمة العقلية للفرد. وبات مسؤولًا بصورة غير مباشرة عن الكثير من الآفات الاجتماعية والثقافية.

شَارِك المَقَال