شَارِك المَقَال

تُواجه اللِّيرَة التُّركيَّة تحدِّيات مُستمِرَّة، آخرها تراجُعها لمستويات قياسيَّة، وفي ظلّ تغيير السِّياسَة النَّقديَّة للمركزي التُّركيّ، يبدو مُستقبَل اللِّيرَة على مُفتَرق طُرُق، فمن الصَّعْب تَوقُّع مسارها بدِقَّة، خاصَّةً أنَّ العديد من المُؤشِّرات الاقتصاديَّة تتداخَل وتُؤثِّر على قيمتها.

 

عوامل الضَّغْط على اللِّيرَة التُّركيَّة

تُواجِه اللِّيرَة التُّركيَّة عدَّة ضُغُوط؛ أهمها التَّضخُّم الذي بلغ سابقًا 84%، وحتى بعد تراجُعه إلى 39% بقيَ مرتفعًا، إضافةً لضُغوط مُتعلِّقة برَصِيد العملات الأجنبيَّة، فعَجْز الميزان التّجاريّ ارتفع في شهر مايو الفائت بنسبة 18,8%، ليُسجِّل 12,66 مليار دولار، وليرتفع 30% منذ بداية العام الجاري.

 

الاحتياطي التُّركيّ من العُملات الأجنبيَّة شهد في مايو الفائت أيضًا أدنى قيمة له على الإطلاق، ليُسجِّل قيمة سالبة لأوَّل مرَّة في تركيا، ليبلغ -5,7 مليار دولار، وذلك في ظلّ زيادة الطَّلَب على الدُّولار، وكنتيجة للتَّدخُّلات السَّابقة للمركزيّ التُّركيّ في السُّوق لدَعْم قيمة اللِّيرَة.

 

هذه العوامل الضَّاغطة ستدفع باللِّيرَة التُّركيَّة نحو المزيد من التَّراجُع خلال الأشهر القادمة، ما لم يَتِمّ التَّدخُّل المُباشِر مِن قِبَل المُؤسَّسَات الاقتصاديَّة التُّركيَّة.

 

احتمالات تحسُّن قيمة اللِّيرَة التُّركيَّة

في المقابل هناك عدَّة عوامل إيجابيَّة ستدعم استقرار اللِّيرَة، ولاحقًا تَدْفعها للتَّحسُّن؛ أُولَى هذه العوامل رَفْع سِعْر الفائدة، فعلى الرَّغْم من أنَّ رِدَّة فِعْل السُّوق على قرار الرَّفْع الأخير كانت سلبيَّة، إلَّا أنَّه وخلال الفترة القادمة، ستُؤثِّر قرارات الرَّفْع الجديدة إيجابًا على قيمة اللِّيرَة، لكنَّها ستُؤدِّي لتَراجُع مُعدَّل النُّمُوّ الاقتصاديّ.

 

رَفْع سِعْر الفائدة سيُعزِّز الاستثمارات الأجنبيَّة في البلاد، وهو ما يَرْفع مُعدَّل عَرْض الدُّولار في السُّوق التُّركيَّة، وبالتَّالي يُؤثِّر إيجابًا على قيمة اللِّيرَة، وذلك شريطة الاستمرار بالسِّياسة النقديَّة الانكماشيَّة، وعدم التَّذَبْذُب من جديد بين رَفْعٍ وخَفْضٍ للفائدة.

 

من العوامل الدَّاعمة للِّيرَة: المُنَاخ السِّياسيّ الإيجابيّ، فإعادة إحياء مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبيّ، وتحرير تأشيرات دخول الأتراك إلى الاتِّحاد الأوروبيّ، وتحديث وتفعيل العلاقات الجمركيَّة ستُعزِّز من الانفتاح الاقتصاديّ التُّركيّ على أوروبا، وهو ما سينعكس إيجابًا على قيمة اللِّيرَة.

 

اللِّيرَة التُّركيَّة بين الارتفاع والانخفاض

تتحرَّك اللِّيرَة التُّركيَّة بين مجموعتين من العوامل؛ إيجابيَّة وسلبيَّة، وإن كانت العوامل السَّلبيَّة تبدو أكثر حدَّة، ومُستقبلها يَتوقَّف على قُدْرَة أيٍّ من هذه العوامل على الغَلَبَة، عمومًا تَحْتَاج اللِّيرَة التُّركيَّة لاستراتيجيَّة واضحة المعالَم مِن قِبَل المُؤسَّسَات الاقتصاديَّة التُّركيَّة؛ لدَفْعها للتَّحسُّن، وهذا الأمر يحتاج لوقتٍ ليس بالقصير.

 

بعض التَّوقُّعات الدّوليَّة تشير إلى أنَّ الضُّغُوط التي تَتَعرَّض لها اللِّيرَة التُّركيَّة حادَّة، وقد تَدْفعها للمزيد من التَّراجُع، لكنَّ المُتَغَيِّرَات السِّياسيَّة الأخيرة على مستوى العَلاقَة مع الاتِّحاد الأوروبيّ قد تُغَيِّر هذه التَّوقُّعَات، وتَدفعها للاستقرار أولًا ولاحقًا للتَّحسُّن، وهذا لا بُدَّ أن يَترافق مع استراتيجيَّة فعَّالة للبنك المركزيّ التُّركيّ.

شَارِك المَقَال