شَارِك المَقَال

تشهد سوريا عاماً صعباً وسط حالة الجفاف النادرة التي تضرب البلاد. وتسببت في تدهور القطاع الزراعي وانخفاض إنتاجه بمعدلات مثيرة للقلق. خاصة وأن سوريا كانت قبل ثورة 2011م هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط المكتفية ذاتياً في إنتاج الغذاء ومُصدِّراً إقليمياً لمحاصيل مثل القمح والشعير. والسؤال المهم هنا: بعد القمح الروسي.. كيف تحوّلت سوريا من مُصدِّر دولي للقطن السوري إلى مستورد؟

 

ما آثار حالة الجفاف النادرة التي ضربت سوريا مؤخراً؟

الأراضي الزراعية السورية أنتجت هذا الموسم غلات ضئيلة للغاية. وطالت الخسائر المزارعين والاقتصاد الوطني ككل. الذي كان يُعوّل كثيراً على مخرجات هذه الأراضي من المحاصيل الاستراتيجية في دعم خزينة الدولة. ومساعدتها على مواجهة الحصار الاقتصادي المتمثل في العقوبات الأوروبية والأمريكية.

 

القطن السوري أو “الذهب الأبيض”- كما يسميه السوريون- كان بمثابة طوق الإنقاذ للبلاد. فعقب خروج القمح من خطة الاكتفاء الذاتي الوطني والسماح باستيراده من روسيا هذا العام. انعقدت الآمال على مكاسب بيع القطن. خاصةً وأن سوريا من أوائل الدول في إنتاجه. ففي 2010م ساهمت بـ8.3% من الإنتاج العالمي.

 

قبل عام 2011م كانت سوريا تحتل المرتبة الثانية عالمياً في سوق المنتجات النسيجية القطنية العضوية. لكن هذا العام تأثر القطن هو الآخر سلباً بالجفاف. ولتفادي الأمر سمحت حكومة النظام للقطاعين العام والخاص باستيراد القطن المحلوج والخيوط القطنية بحسب طاقاتهم الإنتاجية لمدة 6 أشهر.

 

ومثلما تم الاعتماد على روسيا في استيراد القمح كحل إنقاذي لوقف كارثة أمن غذائي محتملة. تمت الموافقة على استيراد مادة القطن المحلوج. لتتحول سوريا بفعل آلة الحرب الدائرة منذ 2011م وبفعل موسم جفاف غير مسبوق في العقود السبعة الأخيرة. من دولة منتجة ومُصدّرة للقمح والقطن إلى دولة مستوردة.

 

لماذا وافقت حكومة النظام على استيراد القطن؟

رغم الفارق الكبير في الأهمية بين القمح والقطن باعتبار الأول مادة استراتيجية للأمن الغذائي للمواطنين. إلا أن الحكومة وافقت على استيراد القطن بعد طلبات متكررة من أصحاب معامل النسيج. بلغت ذروتها نهاية 2020م. حيث اتضح وجود حاجة فعلية وماسة لتشغيل المعامل في القطاعين العام والخاص.

 

حكومة النظام أرادت تأمين محصول القطن للعام الجاري. فضاعفت سعر استلامه من المزارعين ليصبح 1500 ليرة للكيلو جرام مقابل 700 ليرة في 2020م. ورغم هذه الزيادة الكبيرة إلا أنها لا تحقق ربحاً كافياً للمنتجين. بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة والمحروقات التي تستخدم في تشغيل الآلات وأجور العمال.

 

انخفاض المعدلات المنتجة من القطن في سوريا العام الجاري (لم تتجاوز 11 ألف طن). مقارنةً بـ+750 ألف طن قبل 2011م. وانخفاض مخزون القطن لـ35% (نسبة ضئيلة لا تكفي للتشغيل). وهذا يهدد معامل النسيج بالتوقف وإعلان الإفلاس وحرمان خزينة الدولة من عوائد تصدير الملابس الجاهزة حال عدم الاستيراد.

 

ما أسباب انخفاض إنتاج القطن السوري؟

انخفاض حجم الإنتاج الزراعي من القطن في الجمهورية السورية لم ينتج عن موسم الجفاف النادر الحدوث فقط. وإنما جاء بسبب أن الأراضي المخصصة لزراعته في ريف حلب لم تعد إلى العمل بكامل طاقتها الإنتاجية بسبب ظروف الحرب والأعمال العسكرية. وهي المنطقة الأولى في زراعة الذهب الأبيض في البلاد.

 

سبب ثالث رئيس أدى إلى انخفاض الإنتاج السنوي من القطن في سوريا. وهو خروج جزء كبير من أراضي الجزيرة السورية عن سيطرة حكومة النظام في دمشق وتبعيتها لسلطة الإدارة الذاتية. وبالتالي فقدان إنتاجها الكبير من محصول القطن. حيث تعتبر هذه المنطقة الثانية على مستوى البلاد في زراعته.

 

السبب الرابع في انخفاض إنتاج “الذهب الأبيض” هو اهتمام حكومة النظام بزراعة القمح لتلبية احتياجات المواطنين الغذائية. فدفعت قسماً كبيراً من المزارعين لزراعة القمح ضمن خطة تشجيع بنسبة 80% أقرتها على الأراضي الواقعة تحت سيطرتها. ما جعلهم يعزفون عن زراعة محاصيل أخرى وفي مقدمتها القطن.

 

كيف انعكست قرارات استيراد القمح والقطن على السوريين؟

في الحقيقة إن قرارات الاستيراد المتتالية لحكومة النظام السوري صاحبتها حالة عميقة من الإحباط بين المزارعين والمنتجين والمواطنين. فالمواسم الزراعية -كما يعتقد مراقبون اقتصاديون- تنتقل الواحدة منها تلو الأخرى من كفة الربح إلى كفة الخسارة.

 

استيراد القمح والقطن لم يسبب الإحباط فقط. بل أدّى لموجة من الانتقاد بين خبراء الاقتصاد بسبب “التوقيت”. إذ يرون أن شراء القطن إهدار للنقد الأجنبي في ظل وجود قائمة لا نهائية من أولويات الإنفاق. خصوصاً في ظل ظروف استثنائية استنزفت -ولا تزال- تستنزف مُقدّرات البلاد الطبيعية والبشرية.

 

إن إنهاء الأزمة الاقتصادية التي تمر بها سوريا يحتاج تخفيف حجم الاستيراد. وهذا لن يتأتى دون مزيد من الدعم للإنتاج الزراعي وخاصةً الغذائي. وقد بدأت الدولة بالفعل في ذلك من خلال إقرار برنامج “إحلال بدائل المستوردات”. والذي يدرج 67 مادة سيتم توفيرها محلياً أولاً ثم تصدير الفائض منها.

شَارِك المَقَال