شَارِك المَقَال

ما أسباب تباين سعر صرف الليرة السورية بين المحافظات؟ شهدت الليرة السورية منذ بداية الحرب السورية تدهورًا مستمرًا، كان أبرزه وأعمقه أثرًا التدهور في عام 2020 وبداية 2021. وهذا ما أدى إلى وجود سعري صرف لليرة على الأقل، الأول رسمي صادر عن البنك المركزي للنظام، والآخر السوق الموازي.


واقع سعر الليرة في المحافظات

سعر صرف السوق الموازي هو السعر الأهم كونه يعبر عن حقيقة قيمة الليرة السورية. ولكن من الملاحظ اختلاف سعر السوق الموازي بين مناطق الدولة السورية. فالليرة تسجل أفضل قيمها في الشمال السوري المحرر. على عكس ذلك تتراجع في مناطق سيطرة النظام ومناطق قسد، فما سبب تباين سعر صرف الليرة السورية بين المحافظات، وما آثاره؟

ترتفع قيمة الليرة في الشمال المحرر لا سيما في محافظة إدلب بما يقترب من 3% مقارنةً بدمشق وحلب. فالفرق قد يصل لما يقارب 100 ليرة في الدولار الواحد. و ممّا لا شك فيه أن هذا الاختلاف تقف وراءه أسباب اقتصادية. ولا تخلو من دوافع سياسية أيضا، وإن كانت غير واضحة.


أسباب اختلاف سعر الصرف

قبل الدخول في تفسير هذا الاختلاف لا بد من التعريج على كيفية تحديد سعر العملة. فالعملة وكأي سلعة تتحدد قيمتها وفق قانون العرض والطلب. فعندما تزداد كميتها تنخفض قيمتها والعكس صحيح. وهذا ما يحكم الليرة السورية في السوق الموازي في كامل الجغرافيا السورية.

في الشمال السوري المحرر لا تلقى الليرة السورية رواجًا كبيرًا وذلك بسبب وجود بدائل ممثلة بالليرة التركية والدولار. وفي الوقت نفسه يوجد وفرة نسبية من الدولار مقارنة بمناطق النظام. فهذه الوفرة النسبية للدولار تجعل سعر الدولار ينخفض نسبيًا أمام الليرة السورية. بينما في مناطق النظام هناك وفرة في الليرة وشح في الدولار وهذا ما يجعل قيمة الليرة تتدنى.

تعاني مناطق النظام من شح واضح وحاد في الدولار. وفي الوقت نفسه تسعى المؤسسات الأمنية للنظام لمصادرة الدولار ومنع التعامل به. فتحول إلى عملة نادرة نسبيًا ممّا يدفع قيمته للارتفاع أمام الليرة انطلاقًا من ندرته وصعوبة الحصول عليه.

فيما يتعلق بمناطق سيطرة “قسد” فمن الملاحظ أن سعر الدولار أفضل من سعره في مناطق النظام. إلا أن سعره دون نظيره في الشمال السوري. والاختلاف بينه وبين مناطق الشمال قليل إذ لا يتجاوز 0,6%، فهو قريب منه.

الاختلاف البسيط بين مناطق “قسد” والشمال المحرر يعود لوفرة الدولار، ولحرية التداول أيضا. فعلى الرغم من تبني “قسد” لليرة السورية بشكل مطلق إلا أن تواجدها وافر في مناطق سيطرتها. ممّا يجعل سعرها يتدنى عن الشمال المحرر ويرتفع عن مناطق النظام. كما أن وجود مؤسسات للنظام في مناطق “قسد” يحد ولو بشكل نسبي من وجود الدولار. بينما لا وجود لأي سلطة تابعة للنظام في الشمال المحرر.


آثار تباين سعر صرف الليرة وطرق علاجه

الاختلافات السابقة تفرضها التوازنات الاقتصادية المحلية، ولا يمكن تغييرها بسبب كون اللاعبين المؤثرين بها كثر. إلا أن المستفيد الأكبر من هذا الاختلاف هو النظام، فالاختلاف يحفز التجارة بالعملات بين الشمال السوري ومناطق النظام. وهذا الاختلاف يحفز مؤسسات الصرافة والأفراد على نقل الدولار إلى مناطق النظام. وذلك بهدف الحصول على أكبر قدر ممكن من الليرة السورية وإعادتها للشمال لشراء الدولار ممّا يحقق مكاسب كبيرة.

لتوضيح هذه النقطة نضرب المثال التالي: شخص لديه 100 دولار في إدلب، صرفها في مناطق النظام بسعر صرف 3,300. فيكون المبلغ الذي حصل عليه 330,000 ليرة، إذا أعاد المبلغ إلى إدلب واشترى دولارًا بسعر 3,250 سيحصل على 101,5 دولار. فهو ربح دولارًا ونصف دولار على كل 100 دولار، وهذا الربح مجز في المبالغ الكبيرة.

هذه المتاجرة بالعملات تساهم في نقل الدولار إلى مناطق النظام وبالتالي دعمه. فهي مصدر هام من مصادره في الحصول على العملة الصعبة. بناء على ذلك يمكن القول بأن النظام يدعم اختلاف أسعار الصرف بين المحافظات. وهذه الاستفادة لا تجعله بريئًا من الضغط للإبقاء على هذا الاختلاف.

لا يمكن معالجة هذا الاختلاف كون الجهات المتحكمة به عديدة ولا يوجد تواصل اقتصادي بينها. فهو أمر واقع لا يمكن معالجته، بل يجب التعامل مع نتائجه. وعلى مستوى تهريب الدولار لمناطق النظام قد يكون من الصعب ضبطه. وذلك بسبب وجود تبادل تجاري بين تجار الشمال السوري المحرر والتجار في مناطق سيطرة النظام.

من الممكن التخفيف من هذه الظاهرة من خلال التدقيق على الحوالات المالية، لكن الأجدى هو تحفيز الإنتاج. فالميل للتجارة بالعملات قد يكون بسبب عدم وجود مصادر إنتاج تمكن الأفراد من العمل والاستثمار بها. فاضطروا للجوء لتجارة العملات للحصول على الدخل، لذلك لا بد من تحفيز الإنتاج في الشمال المحرر.

شَارِك المَقَال