شَارِك المَقَال

سجل معدل التضخم في تركيا ارتفاعاً في شهر فبراير ليصل إلى 67%. ما دفع المركزي التركي إلى رفع سعر الفائدة إلى 50%. ارتفاعاً من 45%. ما يشير إلى استمرار البنك في سياسته النقدية الحالية. ومن المتوقع أن تسفر عن تخفيض التضخم للمستويات المطلوبة. لكن في ذات الوقت يُتوقع أن تسبب انكماشاً اقتصادياً.

 

فاعلية استمرار رفع سعر الفائدة

رفع سعر الفائدة يهدف إلى معالجة التضخم. من خلال تقليل معدل الطلب في السوق. فالتضخم هو ارتفاع الأسعار الناتج عن زيادة الطلب. وسعر الفائدة المرتفع يسعى إلى تقليل كمية النقود الموجودة في السوق. ما يؤدي على المدى المتوسط إلى خفض الطلب وبالتالي تراجع التضخم.

 

بالطبع سعر الفائدة المرتفع يحفّز الأفراد والشركات على الإيداع بالبنوك. ما يقلل من كمية النقود في السوق. كما أن سعر الفائدة المرتفع يقلل من معدل الاقتراض. لأن تكاليف الاقتراض تصبح مرتفعة. وهذا بدوره يسهم في تخفيض كمية النقود وبالتالي تراجع التضخم.

 

في الحالة التركية الوضع مختلف قليلاً. فسعر الفائدة المرتفع فعّال لناحية تقليل معدل الاقتراض. لكنه أقل فاعلية على مستوى الإيداع. وذلك لكون معدَّل الفائدة المرتفع لا يُشجِّع على الإيداع في البنوك؛ لكون مُعدَّل الفائدة لا يزال أقلّ من مُعدَّل التَّضخُّم.

 

على سبيل المثال: إذا أودع شخص ما 1,000 دولار في البنك وفق الفائدة الحالية 50% فسيكسب بعد عام 500 دولار. لكنه سيكون قد خسر 670 دولاراً نتيجة التضخم. لكون معدل التضخم 67%. فالعملية خاسرة ولن يُقبل عليها المودعون.

 

لكن البعض قد يودع. وذلك لكون التوقعات تشير إلى انخفاض التضخم مستقبلاً. عموماً معدل الإيداع من المتوقع أن يكون منخفضاً نسبياً. وبذلك يكون لسعر الفائدة أثر على استقطاب السيولة من السوق. لكنه أثر محدود نسبياً.

 

 

لذلك ونتيجةً لعدم الإقبال على الإيداع إلا في حدود ضيقة. ستكون التكاليف التي يتحملها البنك المركزي أو البنوك التجارية منخفضةً نسبياً. لكونها لن تضطر إلى دفع مبالغ ضخمة للفوائد.

 

في ظل سعر الفائدة المرتفع ومن الناحية النظرية سيكون على البنوك تحمل تكاليف دفع الفوائد المرتفعة للمودعين. مما قد يؤثر على ربحية هذه البنوك. وقد يصل الأمر بها إلى حد الخسارة. كما أنها قد لا تمتلك السيولة الكافية لتمويل سعر الفائدة المرتفع. وهنا يتدخل البنك المركزي لتعويض البنوك التجارية عن خسائرها.

 

دعم البنك المركزي للبنوك التجارية يمكن أن يتم من خلال عدة مسارات. فمن الممكن أن يقدم لها قروضاً بدون فوائد أو بفوائد مخفضة. أو يمكن أن يشتري منها سندات. وفي بعض الحالات من الممكن تقديم منح مالية غير مستردة. وذلك في حال كان سعر الفائدة الذي يفرضه البنك المركزي خارج قدرة البنوك التجارية على تحمّله.

 

أما على مستوى البنك المركزي فهو مؤسسة غير ربحية يسعى لتنظيم السوق النقدي في الدولة. بغض النظر عن نتيجة أعماله من ناحية الربح أو الخسارة. ففي حالة التضخم يهدف المركزي لتخفيضه. بغض النظر عن التكلفة التي سيتحملها. طبعاً شريطة أن تكون التكلفة ضمن نطاق قدرته المالية أيضاً.

 

من مصادر البنك المركزي لتمويل تكاليف سعر الفائدة: طرح سندات للبيع بهدف جمع السيولة. أو قد تكون من احتياطاته النقدية. أو طباعة العملة. لكن طباعة العملة خيار غير مطروح في حالة معالجة التضخم. لأن طرح كميات إضافية من النقود في السوق سيحفز التضخم. وبالتالي خسارة أثر سعر الفائدة المرتفع.

 

في الحالة التركية لن تتحمل البنوك التجارية ولا البنك المركزي تكاليف مرتفعة لسعر الفائدة الجديد. فسعر الفائدة 50% يعد مرتفعاً للغاية. لكنه في الواقع لا يعد جاذباً للودائع. على اعتبار أنه ما يزال أقل من معدل التضخم. كما أن الاقتراض سيكون منخفضاً.

 

الأثر الأهم الذي ستتحمله البنوك هو تراجع معدل نشاطها. فلا إيداعات ولا سحب قروض إلا في حدود ضيقة. وهنا قد يعوّض المركزي لهذه البنوك من خلال قبوله لودائع منها مقابل منحها عوائد على ودائعها.

 

الأثر الأهم لسعر الفائدة المرتفع هو الحد من الاقتراض. وتقليل الدور الاستثماري للبنوك التجارية. ومن المتوقع خلال أشهر قليلة أن ينخفض معدل التضخم. ويمكن أن يصل إلى 33% وفق توقعات بنك جولدمان ساكس.

 

من المتوقع أن تتحسن قيمة الليرة التركية بعد رفع سعر الفائدة. وحالياً بلغت قيمة الليرة 32 ليرة للدولار الواحد بعدما كانت 32.4.

 

لكن من جهة أخرى من المتوقع أن يؤثر الرفع المبالغ فيه لسعر الفائدة في تراجع معدل النمو الاقتصادي. وقد يسبب ارتفاعاً في البطالة وتراجعاً في الإنتاج. لكن وجهة نظر المركزي التركي تقوم على أنه يمكن معالجة هذه النتائج السلبية بعد معالجة التضخم. فالتضخم هو المشكلة الأخطر حالياً.

 

في النهاية لا بد من الإشارة إلى أن عدم جاذبية سعر الفائدة للإيداع في تركيا يدفع الأفراد والشركات إلى الحفاظ على قيمة أموالهم. من خلال شراء العقارات أو الذهب. لكن أسعار العقارات قد تكون فوق قدرة الأفراد على شرائها. لذلك يتجهون للذهب. وهذا ما يفسّر تراجع الطلب على العقارات وارتفاعه على الذهب.

 

شَارِك المَقَال