شَارِك المَقَال

قبل كل شيء يعتقد البعض أن الصراع الدولي في سوريا سببه الثروة الغازية في سوريا. إضافةً لموقع سوريا المهم لناحية نقل الغاز من الشق الأوسط إلى أوروبا. فما حقيقة صراع أنابيب الغاز في سوريا؟ وهل سبب الصراع على سوريا مرتبط بالطاقة وخطوطها؟ وما موقع الثورة السورية من هذا الطرح؟ وما موقفها؟

 

يحاول البعض تبرئة بشار الأسد من أن يكون طرفاً في الصراع السوري وأنه بيدق في الصراع الدولي في سوريا. مدّعين أن الصراع الدولي في سوريا بين الشرق والغرب هو على الطاقة وخطوطها. وهذا الطرح يعزّز فكرة النظام بأن الثورة السورية كانت أداة بيد الغرب لإسقاط النظام السوري وتمرير مشروع مد خط الغاز القطري إلى أوروبا.

 

أين موقع سوريا على مسارات خطوط الطاقة؟

الطرح الأول لفكرة أن موقع سوريا على مسارات خطوط الطاقة هو سبب إشعال الثورة السورية. وأن هذا الحراك الشعبي سببه تحريض الغرب على قلب النظام. تم طرحه في بداية الثورة من قبل أنصار النظام. لا سيما مِن قِبل المحللين السياسيين والاقتصاديين المحسوبين عليه. وحاولوا تسويق فكرة أن الثورة السورية ما هي إلا نتاج الصراع الدولي على سوريا.

 

لكنّ إعادة طرح هذه الفكرة مِن قِبل بعض الأطراف المعارضة يخدم بشدة طرح النظام السوري بأن الثورة لم تكن عفوية بل هي نتاج التحريض الغربي. وعلى الرغم من أن الطرح الحديث لم يتطرق للثورة السورية فإنه يحيي بشكل أو بآخر فكرة النظام وطرح أنصاره ومحلليه السياسيين.

 

ما حقيقة الصراع الدولي على خطوط الطاقة في سوريا؟

تقوم فكرة الصراع الدولي على خطوط الطاقة في سوريا على فكرتين رئيسيتين. الأولى أن سوريا تشكّل إحدى أهم مصادر الطاقة مستقبلاً وأنها ستحتل المركز الثالث عالمياً باحتياطي الغاز. وهذا الطرح غير دقيق بالمطلق. ويقول هذا الطرح بأن الثروة الغازية السورية تتركز في المنطقة الشرقية وبادية تدمر والبحر المتوسط.

 

هل تعتبر سوريا دولة فقيرة في موارد الطاقة؟

من جهة أخرى تعتبر سوريا من الدول الفقيرة نسبياً بموارد الطاقة. وفيما يتعلق بالمنطقة الشرقية فهي مستنزَفة مِن قِبل النظام منذ عدة عقود وإنتاجها لا يكفي حاجة السوق المحلية. على الرغم من أن سوريا بلد صغير نسبياً. ففي عام 2011م كان إنتاج سوريا الإجمالي من النفط 386,000 برميل يومياً. وإنتاج الغاز بلغ 30 مليون متر مكعب يومياً. وكانت سوريا تستورد أكثر من 170 مليون متر مكعب من مصر.

 

عموماً تعتبر ثروة المنطقة الشرقية في سوريا من الطاقة متواضعة للغاية بالنسبة للقيم العالمية. وفيما يتعلق بحقول قارة الغازية فهي الأخرى متواضعة جداً. وهذا ما يفسّر الحاجة الخانقة للنظام للغاز. لا سيّما أن أزمة الغاز المنزلي في سوريا وأزمة غاز محطات توليد الكهرباء تكاد تعصف بالنظام. فلماذا لا يتم استثمار غاز قارة إن كان بإمكانه إنقاذ النظام؟

 

مع ذلك ففيما يتعلق بثروة سوريا الغازية في البحر المتوسط لا يمكن الجزم بحصة سوريا منها. فلم تقم سوريا حتى الآن بترسيم حدودها البحرية. كما أن إجمالي الكمية المتوقعة في المتوسط تقدر بـ 122 تريليون قدم مكعب -وفقاً لهيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية- بما يعادل 3,3 تريليون متر مكعب. بينما تقول فكرة صراع الغاز في سوريا إن احتياطي سوريا وحدها 28 تريليون متر مكعب. فهذا الرقم يتجاوز رصيد المتوسط بكامله تسعة أضعاف.

 

من جهة أخرى فإن تقديرات الغاز في منطقة الشرق الأوسط ما زالت ضمن التكهنات. فحتى الآن لم يتم إجراء اختبارات فنية للمكامن. فالكمية الحقيقية قد تكون دون التوقعات. وهنا نستذكر التوقعات التي صاحبت اكتشاف الغاز في المياه الإقليمية المصرية والتي صُوّرت على أنها اكتشافات ضخمة ولاحقاً عند الاستثمار تضاءلت الكميات بشكل لافت.

 

ما طبيعة الصراع الغربي الروسي في سوريا؟

تقول الفكرة الثانية في صراع أنابيب الغاز في سوريا: إن الصراع الغربي الروسي يقوم على فكرة إخراج روسيا من سوق الغاز العالمي من خلال مد أنابيب للغاز من قطر عبر سوريا وتركيا. إلا أن النظام السوري عارض هذا الأمر قبل الثورة وعارضته روسيا بعد دخولها سوريا. ولهذا تحتفظ أمريكا بمواقعها في شرق سوريا للسماح بمرور هذه الأنابيب.

 

في الواقع تشكل سوريا بالفعل إحدى قنوات مرور الغاز القطري إلى أوروبا. لكنها ليست الممر الوحيد والحصري. كما أن القول بأن الخط محل النقاش يقطع الطريق على إمدادات روسيا بحاجة لمزيد من الإيضاح حيث إن الغاز الروسي لا يشكّل إلا 37% من الإمدادات الدولية. فروسيا ليست المصدر الوحيد لأوروبا فيما يتعلق باستهلاك الغاز.

 

بالإضافة إلى ذلك ولتوضيح عدم امتلاك سوريا لثروات كبيرة يمكن المقارنة بين الحالة السورية والليبية. ففي ليبيا تدخلت الدول الغربية بقوة لإسقاط القذافي للسيطرة على ثروات ليبيا. بينما في سوريا لم تندفع أي دولة غربية بسبب عدم وجود ثروات يطمع فيها. فالولايات المتحدة لا تخجل من المطالبة بثروات الشعوب.

 

كيف يتم استخدام التحليل الجيو-استراتيجي للتضليل؟

إن تقديم الطروح السياسية أو الاقتصادية أو في ظل مفاهيم الاقتصاد السياسي دون أدلة وبراهين وبدون مرجعية للأرقام من شأنه تضليل الناس، وفي بعض الأحيان قد يقدم خدمة جليلة للعدو، فالصديق الغبي ليس أقل خطراً من العدو، وهنا يظهر من جديد عدم وضوح فكرة التحليل الجيو- استراتيجي لدى بعض المحللين.

 

بصورة شاملة تقوم الدول باتخاذ قراراتها بناء على الحقائق والمصالح وليس على العواطف. فانسحاب أمريكا من سوريا مع الإبقاء على بضع مئات من الجنود يدل على عدم وجود مصلحة حقيقية للبقاء في سوريا. فالخليج العربي يعج بالقواعد والأساطيل الأمريكية لحماية منابع النفط. ولا وجود لهذا الحجم من القوات في سوريا كونها لا تحوي ذات الموارد.

 

من ناحية أخرى فإن تصريح حسن نصر الله بأن النظام أقنع الروس بالقدوم لسوريا. واستعان بقاسم سليماني لإقناع الروس بالتدخل العسكري في سوريا. دليل على عدم اقتناع الروس بالتدخل في بداية الأمر ودليل على عدم وجود مكاسب كبرى سيتم تحقيقها من هذا التدخل.

 

ما فاتورة الصراع على الدولة السورية؟

في الحقيقة إن تكلفة الصراع على الدولة السورية لوحدها فاقت 422 مليار دولار. ناهيك عن تكاليف الأطراف المتحاربة لا سيما الروسي والإيراني. فتكاليف الصراع تفوق أي إيراد اقتصادي متوقع. فالصراع السياسي على سوريا يفوق تأثيره الاقتصادي. وهنا لا نلغي الدور الاقتصادي بالكامل إلا أنه يتراجع أمام السياسي والأيديولوجي والعقائدي. فهدف إيران في جزء كبير منه عقائدي.

 

علاوة على ذلك فإن منطقة الشرق الأوسط باتت متخمة بخطوط نقل الغاز. بدءاً من خطوط القوقاز التي تعبر تركيا ومشاريع نقل الغاز المصري والإسرائيلي إلى أوروبا. ومما لا شك به أن أوروبا تشكل إحدى أبرز هذه الأسواق. إلا أنها لا تتمكن من استيعاب كل هذه الكميات. ناهيك عن التوريدات من شمال إفريقيا لها وخاصة الجزائر.

 

كيف نفهم حقيقة الصراع في المنطقة بالكامل؟

لفهم حقيقة الصراع في المنطقة بالكامل لا بد من نظرة سياسية واقتصادية شاملة. ولا يمكن عزل مشاريع التطبيع عن هذا السياق. لا سيما أن إسرائيل تسعى لمد خط غاز إلى أوروبا بطول 200 كم. ولا يستبعد أن يتم استثمار هذا الخط لنقل غاز منطقة الخليج أيضاً.

 

بالإضافة إلى ذلك لا بد لفهم حقيقة الصراع في سوريا من النظر للأطراف المتصارعة نظرة موضوعية وتاريخية. فحالياً تشكل تركيا وروسيا وإيران أبرز المتصارعين في سوريا. وهذه الأطراف تربطها بسوريا علاقات تاريخية وأيديولوجية وجيو – سياسية.

 

من ناحية أخرى فإن تركيا تربطها بسوريا علاقات استمرت لقرون. كما أن روسيا ترى في سوريا عمقاً استراتيجياً لها. وإيران تحاول بسط نفوذها الأيديولوجي في سوريا. وهنا نلاحظ انكفاء الصين عن الدخول في هذا الصراع وفي غيره. ففهم تاريخ وتوجّه كل طرف يسهل من فهم مستقبل الصراع وتوجهه النهائي.

 

على وجه التحديد فإن الدول تبني قراراتها الاستراتيجية على حسابات دقيقة طويلة الأجل. وفي هذا الصدد يمكن القول بأن المستقبل في المدى المتوسط والطويل سيكون معتمداً بنسبة أكبر على الطاقة النظيفة وعلى الطاقة النووية والطاقة المستدامة. فخلال العقود القادمة من المتوقع أن يتضاعف إنتاج العالم من الطاقة النووية عدة أضعاف. مما يقلل الاعتماد ولو بشكل نسبي على حوامل الطاقة التقليدية.

 

في نهاية المطاف لا يُقصد من كل هذا الطرح تفريغ الصراع في سوريا من أبعاده الاقتصادية فهي موجودة بالتأكيد. ولكن لا يجوز إعطاء البعد الاقتصادي أهمية تفوق واقعه. فلفهم هذا الصراع لا بد من دراسة مختلف الجوانب المتعلقة به وبالأطراف المتصارعة.

شَارِك المَقَال