هناك تداعيات ضخمة للحرب الدائرة في سوريا منذ 10 سنوات على كافة المستويات الإنسانية والاقتصادية وغيرها. إلا أنه تهدّد البلاد كارثة إنسانية تتمثل في موسم الجفاف الذي يضرب أرجاء سوريا بقوة. بسبب انخفاض منسوب نهر الفرات وتناقص معدلات هطول الأمطار إلى نسبة بين 50 و75%. وهي سابقة لم تحدث منذ عقود. لذلك فنحن أمام كارثة أمن غذائي تهدد الاقتصاد السوري المتهاوي.
ما أبرز النتائج الكارثية للجفاف؟
في الحقيقة نتائج الجفاف في سوريا “كارثية” على كافة المستويات لكنه يبرز أكثر على المستوى الزراعي. خاصةً أن سوريا قبل نشوب الثورة كانت البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي كان مكتفياً ذاتياً في مجال إنتاج الغذاء. لا سيما المحاصيل الزراعية الأساسية مثل القمح والشعير. بل وكان مصدراً إقليمياً لهذه المحاصيل.
نتيجة لذلك الجزيرة السورية المركز الرئيس لإنتاج الغلال الغذائية الاستراتيجية (القمح والقطن والشعير والحبوب) انخفض مردودها لأقل من النصف. وفي دير الزور بلغت نسبة المساحة المحصودة حتى 30 مايو الماضي نحو 9500 هكتار من أصل مساحة 29 ألفاً و460 هكتاراً.
بالإضافة إلى ذلك هناك توقعات بانخفاض إجمالي الإنتاج للعام 2021م. فعلى سبيل المثال: المساحات المزروعة كانت تبلغ نحو مليون ونصف المليون هكتار نصفها بعلي ونصفها مروي. إلا أن 80% من المساحات البعلية خرجت من الاستثمار. ومن المتوقع أن يصل إنتاج القمح البعلي هذا العام إلى 1.2 مليون طن فقط.
كيف حاولت حكومة النظام التخفيف من الأزمة؟
في الواقع حكومة النظام السوري تحتاج نحو مليوني طن من القمح سنوياً لتلبية احتياجات مواطنيها من الخبز. وبطبيعة الحال لا يكفي الإنتاج المحلي فتضطر لاستيراده من الخارج. أو الحصول عليه من دول حليفة ضمن برامج مساعدات مثل: روسيا. فقد تلقت منها نهاية 2020م نحو 100 طن قمح و350 ألف طن في مارس الماضي.
وبخلاف المساعدات المباشرة للمواد الغذائية الاستراتيجية التي تلقتها سوريا من الدول الحليفة للنظام. عززت السلطات عمليات تنشيط خطوط الائتمان مع أبرز داعميها إيران وروسيا. للمساعدة في تمويل استيراد المواد الغذائية الأساسية لدمشق من الخارج وسد العجز الكبير في الطلب المحلي على السلع.
حكومة النظام السوري ترغب في التخفيف من وطأة استيراد القمح والطحين على موازنتها العامة المثقلة بالفعل. وراهنت على توفير إنتاج قياسي خلال 2021م حتى إنها أطلقت عليه “عام القمح”. وشجعت المزارعين على استغلال مساحات شاسعة من الأراضي لإنتاجه. ومع حالة الجفاف الراهنة انهارت كل خططها.
ما أبرز البدائل للخروج من الأزمة؟
من جهة أخرى تجد حكومة النظام بدائل عدة. فقد تحركت من خلال مؤسساتها المعنية لشراء القمح بأسعار تنافسية. ودعت المزارعين لبيع محاصيلهم بأسعار تشجيعية زادت عن العام الماضي من 500 ليرة إلى نحو 900 ليرة. وخصصت 450 مليار ليرة (مليار ونصف دولار) لتسديد ثمن محصول القمح لهذا العام.
كما شجعت الحكومة المستوردين من القطاع الخاص على استخدام المزيد من رؤوس أموالهم في تمويل الواردات الغذائية. وتهدف من ذلك أيضاً إلى تخفيف الضغط على العملة الأجنبية الصعبة. ومواجهة عمليات التمويل التجاري التي تعرض على التجار عملة الدولار بأسعار تفضيلية.
اتخذت حكومة النظام أيضاً إجراءات صارمة للحد من الهدر في المخابز أو أي وقائع فساد فيما يخص توزيع الخبز. ووفرت بطاقة ذكية لكل عائلة تمنح بموجبها كميات محددة في الشهر. بهدف تخفيف الهدر في القمح والوقود ومواد التشغيل الأخرى.
من ناحية أخرى تواجه الحكومة تحدياً آخر هو تنازع السلطات المسيطرة على الأراضي المروية والبعلية لإنتاج القمح والغلات. حيث تتنافس على امتلاك الحصة الأوفر من الإنتاج. وترفع كلٌّ منها سعر الكيلوجرام الواحد من المحصول. بهدف استقطاب المزارعين وتشجيعهم على تسليم إنتاجهم وملء مخازنها بالحبوب.
في الحقيقة كل ما سبق لن يوفر إلا نسبة ضئيلة من الطحين للمواطنين. وسترضخ حكومة النظام في النهاية لطلب المساعدات الآتية من دول الحلفاء. لا سيما لمنع كارثة أمن غذائي وشيكة على الأبواب. وبالفعل فقد ذكرت روسيا أنها ستورد نحو مليون طن من القمح إلى سوريا العام الجاري 2021م.
وفي الوقت نفسه فإن المساعدات الإنسانية من الدول الحليفة أو المنظمات الدولية لن تساهم بالكثير. فالواقع يؤكد معاناة نحو 12.4 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي. بزيادة 4.5 مليون شخص عن 2020م. وتشتد معاناة 1.3 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الشديد. زيادة على ارتفاع سعر السلع الغذائية 29 مرة عن متوسط أسعارها قبل الحرب.
نتيجة لذلك فإن بعض الأسر السورية تتحايل على أزمة ارتفاع أسعار السلع بتقليل عدد وجباتها اليومية من ثلاث وجبات لوجبتين فقط. والبعض الآخر يبتاع المواد الغذائية الاستراتيجية بالاستدانة. بينما تلجأ بعض الأسر متيسرة الحال لبيع أصولها وما تملكه من ماشية لتوفير دخل إضافي تنفقه على احتياجاتها من الغذاء.