شَارِك المَقَال

خلفت الحرب السورية خلال سنواتها العشر تغييرات بنيوية في العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية. وعلى المستوى الاقتصادي يظهر تأثير الحرب من خلال ضمور علاقات ونشوء أخرى داخلياً وخارجياً. ولعل العلاقات الاقتصادية مع إيران من أكثر العلاقات تأثراً. والسؤال هنا: كيف تطورت العلاقات الاقتصادية السورية الإيرانية؟ وما أثرها على مستقبل الدولة السورية؟

 

كيف كانت العلاقات الاقتصادية السورية الإيرانية قبل 2011م؟

 

بصفة عامة تعتبر العلاقات الاقتصادية السورية الإيرانية قديمة نسبياً. فهي تعود لبداية النصف الثاني من القرن العشرين. إلا أنها كانت علاقات ضعيفة وذلك انسجاماً مع ضعف العلاقة السياسية بين الحكومة السورية آنذاك وبين حكومة الشاه. وبعد سقوط الشاه عام 1979م بدأت العلاقات الاقتصادية بالتحسن. ولكن بقيت ضعيفة ولا تتناسب مع عمق العلاقات السياسية.

 

في الحقيقة لم يتجاوز التبادل التجاري السوري الإيراني قبل عام 2000م عتبة 150 مليون دولار. وتركّز على المحروقات من الجانب الإيراني والفوسفات من الجانب السوري. بعد عام 2000م وفي ظل اقتصاد السوق المفتوح بعد عام 2000م انتعش التبادل التجاري بين البلدين. وإن لم يرقَ لمستوى العلاقات السياسية بينهما.

 

في ظل نظام اقتصاد السوق الذي ساد بعد عام 2000م بلغ التبادل التجاري بين سوريا وإيران 200 مليون دولار. ولكن في الحقيقة كان الميزان التجاري مائلًا وبدرجة كبيرة لصالح إيران. فالعجز التجاري بينهما بلغ عام 2006م أكثر من 179 مليون دولار لصالح إيران.

 

قبيل اندلاع الثورة السورية نما التعاون الاقتصادي السوري الإيراني بشكل لافت. لا سيما في مجال الاستثمار. ففي عام 2010م كانت إيران في المرتبة الثالثة في الاستثمار في سوريا بعد كل من السعودية وتركيا. إذ بلغت الاستثمارات التركية في عام 2010م أكثر من 20 مليار ليرة. وعلى الرغم من هذا التطور إلا أنها بقيت ضعيفة نسبياً مقارنةً بعمق العلاقة السياسية.

 

كيف تطورت العلاقات الاقتصادية السورية الإيرانية بعد 2011م؟

 

في الواقع شكَّلت الثورة السورية وتحوّلها لاحقاً لحرب داخلية فرصة كبيرة لإيران للدخول وبقوة إلى الاقتصاد السوري. لا سيما في ظل الحصار الاقتصادي المفروض على النظام. فتضاعف التبادل التجاري بين حكومة النظام وإيران عدة أضعاف.

 

في ظل الأزمة الاقتصادية التي عانى منها النظام السوري نجحت إيران في استثمار هذه الأزمة. فمنحت حكومة النظام قروضاً بين عامي 2013 – 2014م تبلغ قيمتها أكثر من 5 مليارات دولار أمريكي. إضافة لوجود خط ائتماني لتوريد المشتقات النفطية تبلغ قيمته مليار دولار سنوياً.

 

في ظل عجز النظام عن خدمة هذه الديون تم تعويض إيران بمنحها استثمارات داخل الاقتصاد السوري تطال الثروات الاستراتيجية للدولة السورية. وهو ما يشكّل تهديداً للاستقرار الاقتصادي للدولة السورية على المدى البعيد.

 

من جهة أخرى تحصل الشركات الإيرانية على مزايا استثمارية واضحة في سوريا. كما يتم وبشكل تدريجي فتح السوق السورية أمام المنتجات الإيرانية. وهو ما يشكّل ضغطاً حقيقياً على المنتجين السوريين. وهذا الأمر قد يُرهق ما تبقّى من الصناعة السورية ويهدّد بموتها.

 

ما أهداف التوغل الاقتصادي الإيراني في سوريا؟

 

في الواقع لا يمكن فصل التوغل الاقتصادي الإيراني في سوريا عن الواقع السياسي والعسكري. فهذه الجوانب الثلاثة تؤثر ببعضها وترسم ملامح العلاقة العامة بين النظام وإيران. فإيران تسعى من خلال توغلها الاقتصادي في سوريا إلى تحقيق جملة أهداف تصب في مصلحة إيران وتحمي وجودها وأذرعها الإقليمية. فالقضية ليست اقتصادية بحتة بل هي مزيج من الاقتصاد والسياسة.

 

الهدف الأول للتوغل الاقتصادي الإيراني في سوريا إيجاد سوق تصريف للمنتجات الإيرانية الكاسدة بسبب العقوبات الأمريكية الخانقة على إيران. وعلى الرغم من تواضع حجم السوق السورية أمام الاقتصاد الإيراني الذي يبلغ ناتجه المحلي الإجمالي أكثر من 450 مليار دولار. إلا أن التصريف في السوق السورية يخفّف من حدّة الحصار الاقتصادي عليها.

 

الهدف الثاني الذي تسعى إليه إيران هو تأسيس بنية تحتية لها في سوريا تمكّنها من المشاركة في عملية إعادة الإعمار المرتقبة. فإيران لا يمكنها منافسة القوى العالمية كالصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. لذلك تسعى من خلال توغلها الاقتصادي في سوريا إلى فرض مشاركتها في إعادة الإعمار كأمر واقع تفرضه الوقائع الاقتصادية على الأرض.

 

الهدف الثالث والأهم لإيران يتمثل باتخاذ الاقتصاد درعاً لوجودها العسكري في سوريا. فالضغط الاقتصادي الهائل الذي يُمارَس على النظام السوري والتذمر المتسارع في حاضنته الشعبية قد يقوده لتقديم تنازلات قاسية. وتخشى إيران من أن تكون هي ضحية هذه التنازلات من خلال إخراج القوات الإيرانية من سوريا. وهو ما يشكّل انتكاسة قاسية لمشروعها الإقليمي.

 

في الحقيقة تسعى إيران لتعزيز وجودها الاقتصادي في سوريا وإحداث تغييرات بنيوية في الاقتصاد السوري بهدف ربط الدورة الاقتصادية بها. وهو ما يشكّل حماية نسبية لوجودها العسكري. فأي نية لإخراجها والتضحية بالعلاقة معها سيترتب عليها تبعات اقتصادية حادة للنظام. وهو ما يجعل النظام يتريث قبل اتخاذ هذه الخطوة.

 

في النهاية لا بد من القول بأن العلاقة الاقتصادية الحالية بين النظام السوري وإيران تصب بغالبيتها في مصلحة إيران. فضلاً عن وجود ضرر واضح على اقتصاد الدولة السورية ومواردها لا سيما على المدى البعيد. وحتى على مستوى النظام فإن هذه العلاقة لا تشكّل نفعاً حقيقياً له. فهي تزيد من غرقه الاقتصادي وتسبّب نفوراً من حاضنته الاجتماعية كونها تتسبّب في تعطيل موارد النظام وتعطيل دورته الاقتصادية.

شَارِك المَقَال