منذ الاستقرار الأمني والسياسي النسبي الذي تشهده مناطق الشمال السوري المحرر بدأت حركة التجارة بين تركيا والداخل السوري بالازدياد الطردي. وهو ما يشكّل فرصة اقتصادية أمام اقتصاد الشمال السوري البسيط نسبياً. ولعل السؤال الأهم هنا: كيف يمكن الاستفادة من التبادل التجاري بين الداخل السوري وتركيا؟
في الواقع وبدءاً من عام 2016م بدأت الحركة التجارية بالتصاعد بين تركيا والشمال السوري. فغالبية البضائع المستوردة في الداخل السوري تأتي من تركيا. إما كإنتاج تركي أو كالاستفادة من الترانزيت التركي. وفي المقابل تعتبر تركيا السوق الرئيس لتصريف الإنتاج السوري الفائض.
من الصعوبة بمكان الوقوف على قيمة التبادل التجاري بين الجانبين. ولكن وفقاً لبعض البيانات الرسمية -على قلتها- فإن الحركة التجارية بين الجانبين في ازدياد متواتر. ومن الملاحظ هنا أن قيمة الواردات من تركيا تفوق الصادرات السورية إلى تركيا بأضعاف. وهذا الأمر مبرَّر نظراً لضآلة اقتصاد الداخل السوري أمام الاقتصاد التركي.
تعتبر المحاصيل الزراعية أبرز صادرات الشمال السوري إلى تركيا. فيما يتم استيراد غالبية احتياجات أسواق الداخل السوري من تركيا. كالمنتجات الغذائية وحوامل الطاقة من غاز ومحروقات وغيرها.
يعتبر حجم وقيمة التبادل التجاري بين الدول أحد المؤشرات الاقتصادية المهمة في الاقتصاد. وتسعى غالبية الدول لزيادة معدلات التبادل التجاري. وذلك نظراً لما يحققه من نمو اقتصادي وانعكاس ذلك على واقع المؤشرات الاقتصادية الأخرى على مستوى الاقتصاد الكلي والجزئي.
يمكن لاقتصاد الداخل السوري الاستفادة من التبادل التجاري مع تركيا من خلال عدة أوجه. ومما يزيد من أهمية هذا الأمر أن تركيا تمثل الممر الاقتصادي الوحيد للمنتجات السورية من حيث التصدير. كما أنها الممر الوحيد أيضاً للاستيراد.
على الرغم من أن حجم التبادل التجاري بين الجانبين يميل بشكل واضح لصالح تركيا. إلا أن المنافع السورية تفوق نظيرتها التركية. فمن جهة لا تفرض تركيا أي رسوم على صادرات الداخل السوري من منتجات زراعية. بينما تفرض الجهات الحكومية المحلية في الداخل السوري رسوماً على الواردات من تركيا.
إن وجود سوق لتصريف المنتجات السورية في تركيا يمكن استثماره كعامل محفّز لزيادة النشاط الاقتصادي في الداخل السوري. لا سيما أن هذا السوق التركي من شأنه ضمان أسعار منتجات عادلة بالنسبة للمنتجين السوريين. وهذا الأمر يعتبر حافزاً لمنتجين آخرين للدخول في سوق الإنتاج في الداخل السوري.
إن وجود أسواق التصريف تعتبر من أهم العوامل المسؤولة عن نجاح المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر. لذلك يمكن الاستفادة من التبادل التجاري هذا في دعم المشروعات الصغيرة في الداخل السوري. من خلال تصدير الفائض من إنتاجها إلى السوق التركية.
كما أن الواردات السورية من تركيا يمكن استثمارها من خلال توفير مستلزمات العمل والإنتاج في الداخل السوري. وذلك بهدف تحريك الدورة الاقتصادية في المنطقة. من خلال استيراد معدات الإنتاج الصناعية والخدمية والزراعية.
يشهد الداخل السوري منذ عدة سنوات نزعة استهلاكية واضحة واتجاهاً متنامياً لاقتصاد الخدمات كالمطاعم وخدمات تحويل الأموال وغيرها. وهذا النوع من الاقتصاد -على الرغم من أهميته- لا يقدم قيمة مضافة حقيقية لاقتصاد الداخل السوري. كما أن مساهمته في الحد من الفقر والبطالة تعتبر محدودة.
الحل الاقتصادي الحقيقي والجذري في الداخل السوري يتمثل بتحفيز الإنتاج. وتحفيز الإنتاج يحتاج لوجود بُعْدين رئيسين. الأول وجود سوق تصريف. والثاني وجود مصدر للمواد الأولية ولمعدات الإنتاج. وهذان البُعدان يوفرهما وبشكل فعّال التبادل التجاري مع تركيا.
لتحقيق أكبر فائدة ممكنة من التبادل التجاري بين الجانبين لا بد من التركيز على التبادل التجاري المتعلق بالعملية الإنتاجية. وتقليله فيما يتعلق بالكماليات كأجهزة الاتصال والموبايلات على سبيل المثال. فلا بد من فرض ضريبة على الكماليات للحد منها وإعفاء مستلزمات الإنتاج من أي شكل من أشكال الرسوم والضرائب.
إن التحكم بكمية ونوعية التبادل التجاري بين الجانبين من شأنه التأثير بشكل غير مباشر على الواقع الاقتصادي السوري. لذلك لا بد من وضع آليات تمنع أن يكون هذا التبادل في خدمة النزعة الاستهلاكية. ولا بد من سن تشريعات وآليات تنفيذية تضمن أن تكون غالبية هذا التبادل لخدمة الدورة الإنتاجية.