حفظ المال من أبرز مقاصد الشريعة بجانب حفظ الدين والنفس والعقل. لذلك جعلت له الشريعة ضوابط لاكتسابه حلالاً مباركاً. وضوابط أخرى لإنفاقه. وضوابط ثالثة للحفاظ عليه. هذا بشكل عام. لكن مال اليتيم له اهتمام خاص من المشرِّع الحكيم. حيث جعل له تشريعات خاصة لم يجعلها لغيره من الأموال. والسؤال هنا: كيف يمكن حفظ وتنمية الحقوق المالية لليتيم؟
أقرّت الشريعة أحقية امتلاك كل إنسان لماله الخاص ولو كان جنيناً في رحم أمه. وبالتالي من حق اليتيم أن يمتلك ماله الخاص. لكن نظراً لصغر سنه فإن أهليته للتصرُف كإنسان ناضج “ناقصة” إلى أن يبلغ سن الرشد. وحتى ذلك الموعد فإنه لن يتمكن من إدارة أمواله وسيحتاج لوليّ أو وصيّ لرعايتها.
يتطلب من الوصيّ على اليتيم رعاية أمواله والحفاظ عليها من الضياع. وقد وضعت الشريعة ضوابط مهمة لتنميتها. في مقدمتها أن يكون مال اليتيم واضح المعالم. متميزاً عن غيره. مستقلاً عن المال الخاص للوليّ. ويُحظَر على الوصيّ خلطهما معاً أو الإنفاق منه فيما يعود عليه بالنفع دون اليتيم.
حفظ أموال اليتيم يُوجِب على الوليّ عدم استبدالها بأمواله الخاصة الرديئة. فقد تكون أموال اليتيم في صورة ذهب أو معادن نفيسة أخرى ذات قيمة عالية. فيفكر الوصيّ في استغلال ضعف اليتيم وعدم قدرته على تدبير أموره. ويستبدل أمواله الثمينة بنقوده الخاصة أو معادن أخرى “رديئة” أقلّ في القيمة.
على الوليّ استثمار أموال اليتيم وتنميتها وعدم تركها عرضةً للنقص نتيجة الإنفاق منها على تربية اليتيم وسداد الزكوات منها. لكن هذا مشروط بتحقق المصلحة لليتيم. كأن يتم الإنفاق عليه من الأرباح وليس من رأس المال. وألا يكون الاستثمار مرتفع المخاطر قد تنتج عنه خسائر في المستقبل.
كما يشترط في تنمية أموال اليتيم أن يكون الوليّ ذا خبرة في المجال التجاري الذي سيستثمر فيه الأموال. تجنباً لإهدارها في مجال جديد يخوضه للمرة الأولى. وإذا اقتضى الأمر القيام باستثمار جديد فيمكنه أن يعهد بالمسؤولية لذوي الخبرة والأمانة. وأن يتابعهم باستمرار صوناً لهذا المال وحمايةً له.
حماية مال اليتيم من الإهدار لا تتعارض مع إقراضه للغير ولكن بشروط. كأن يكون في القرض تمام مصلحة اليتيم. وألا يمنح الولي القرض إلا لمن يتأكد من أمانته وقدرته على السداد في الوقت المحدَّد. فإعطاء القرض لفقير لا يستطيع السداد أو جاحد يُنكره عند الطلب بمثابة تضييع أموال اليتيم.
حفظ أموال اليتيم من شأنه اختبار رجاحة عقله قبل تسليم الأموال إليه عند بلوغ سن الرشد. ويمكن اختباره نظرياً بسؤاله عن رأيه فيما يباشره من معاملات تجارية وخططه لتنميتها. أو عمليّاً بإعطائه جزءًا من أمواله ليباشر تجارته لمدة معينة تحت مراقبة الولي. ومراجعة تصرفاته خلال هذه الفترة.
اختبار اليتيم نظرياً وعملياً قبل تسليمه ما عُهد إلى الوليّ من أموال لا يتم مرة واحدة فقط. بل يجب على الوصيّ تكرار اختبار سلامة فكره أكثر من مرة. ومراجعة النتائج التي حقّقها ومقدار ما أنجزه من أرباح أو تسبب فيه من خسائر خلال إدارته لأمواله. بحيث يغلب على الظن رشده ورجاحته.
إذا بلغ اليتيم سفيهاً غير رشيد يجوز للوليّ أن يستمر في وصايته على أمواله وإدارتها إلى أن يؤنس منه الرشد. ولو بلغ من العمر خمسين عاماً. على سبيل الاحتياط للمال من الضياع وتأهيله لإدارتها فيما بعد. فالوليّ أمين على مال اليتيم ولا تُرفع ولايته حتى يثبت رشده مهما بلغ من العمر.
في النهاية تصرف الوصي في مال اليتيم مرهون بتحقيق مصلحته. فيمكن للوصي أن يتصرف في ماله بالاستثمار والإنماء وفق هذا الإطار فقط. وبما يضمن عدم وقوع أي ضرر ينقص هذا المال أو يهدره جزئياً أو كلياً. فلا يجوز أن يمنح المال على سبيل الهبة أو الوصية أو الرهن أو إسقاط لدين مستحق لليتيم.