شَارِك المَقَال

 

 

يَخلِط العَديد من المُستثمِرين -لا سِيّما رُوّاد الأعمال الجُدد منهم- بين الرِّبْح المُحاسَبيّ والاقْتِصاديّ، فقَد يُقْدِمُون على الاستِثمارات الرَّابِحة مُحاسَبيّا لكنّها قد تكون خاسِرة اقتِصاديًّا، وهنا تَبْرُز تَكْلِفة #الفُرْصة_البَدِيلة الّتي يُغفِلها المُستثمِرون، ممّا يَقُودهم للدُّخُول في استِثمارات قد تكون خاسِرة.

 

لا يَعترِف عِلْم #المُحاسَبة إلّا بالعَملِيّات ذات الأَثَر المَاليّ، فقدْ تَعرِض مَشْروعك على مُحاسِب ويَقُوم بحِساب الجَدْوى الاقتِصاديّة ليُخبِرك أنّ مَشْروعك رابِح، وهو غير مُخطِئ لكّنه ينظر للمَشْروع من وُجْهة نَظَر مُحاسَبية فقط، فهو يُقارِن التكالِيف بالأرْباح فإن رَجَحتْ كِفّة الإيرادات فهو رابِح والعَكْس صحيح.

 

يَختلِف الرِّبْح الاقتِصاديّ عن المُحاسَبيّ بأنّه يأخُذ تَكْلِفة #الفُرْصة_البَدِيلة بعَيْن الاعتِبار، فتكالِيف المشروع ليست مَحْصورة بما يدفعه المُستثمِر، بل تَتعدَّاه لتَشمَل تَكْلِفة إضافِية مُستتِرة تُسمَّى تَكْلِفة #الفُرْصة_البَدِيلة .

 

تُعرَف تَكْلِفة #الفُرْصة_البَدِيلة بأنّها مْقدار الأرْباح والعَوائِد التي يُضحَّي المستثمر بها عند تَفْضيله خيارًا على آخَر، وتَقُوم فِكْرتها على مُقارَنة ما تَتمّ خَسارَته مع ما يَتمّ اكتسابه نَتيجَة القَرار، وتَختلِف طُرُق قياسها، ولكن الأهَمّ من قِياسها هو الوَعْي بها عند اتِّخاذ القَرار.

 

إذا كان لديك قِطْعة أرْض أَقمْت عليها مَشْروعًا بتَكْلِفة 10,000 دولار تُدِيره أنت ويُحقِّق أرْباحًا صافِية 3000 دولار سنويًّا، فالمَشْروع رابِح مُحاسَبيًّا، ولكن لو لم تُقِم المَشْروع ووضَعْت المَبْلغ في البنك -كوديعة- بأرباح سَنويّة 10% مِقْدارها 1000 دولار، وعَمِلت في مِهْنة ما بأَجْر سَنويّ 4000 دولار، وأجَّرْت الأرْض مُقابِل 1000 دولارًا في السَّنة، هل يبقى المَشْروع رابِحًا؟!

 

إذا لم تُباشِر المَشْروع المَذْكور فإِنَّك ستَكْسب 6,000 دولار كَوْنك ستَكْسب فائِدة المَبْلغ وأَجْرك السَّنويّ وبَدَل استِئْجار الأَرْض، فعِنْد مُباشَرتك المَشْروع ستَكُون تَنازَلت عن 6,000 دولار مُقابِل 3000 دولار، فالمَشْروع أصْبح خاسٍرًا اقتِصاديًّا على الرَّغْم من أنه رابح مُحاسَبيًّا.

 

على الرَّغْم من بَساطة المثال فإنّه يقدم فِكْرة واضِحة عن طريقة حِساب التَّكلِفة الحَقيقِيّة، ففي المَشارِيع الكُبْرى لا تَكُون الأُمور بهذه البَساطة، ولكنّها وعلى الرَّغْم من تَعْقيدها يَجِب حِسابها، فقد يكون المَشْروع بعد حِساب تَكْلِفة #الفُرْصة_البَدِيلة خاسِرًا أو يحقق أرباحًا مُتواضِعة لا تَستحِقّ المُخاطَرة بالاستِثمار لأَجْلها.

 

يُحاوِل البعض تَعْميم مَفْهوم تَكْلِفة #الفُرْصة_البَدِيلة وإخْرَاجه من عَباءة عِلْم #الاقْتِصاد ليَغْدو مَبْدأ عامًّا يَصلُح لكلّ الحَياة، فلكلّ قَرار في الحَياة تَكلِفة فُرْصة بَدِيلة، فحَيْثما وُجِدت الخِيارات وُجِدت هذه التَّكْلِفة، والتي إن تَمّ إغْفالها قد تَسُوء قَراراتنا.

 

فالطالِب الّذي يَختار الدِّراسة في فَرْع دُون آخَر، والمُستثمِر الّذي يَختار مَشْروعًا دُون آخَر وأنت عندما تَختار الطَّريقة الّتي ستَقْضِي بها يَوْمك كل هذه القَضايا وغَيْرها لَديها تَكْلِفة فُرْصة بَدِيلة يَجِب أن نَكُون وَاعِين لها، فالتَّكالِيف المُستتِرة لا تَقِلّ أهمِّيّة عن تلك الظاهِرة.

 

شَارِك المَقَال