شَارِك المَقَال

شهد اقتصاد النظام خلال السنوات الأخيرة عدة عمليات طباعة جديدة للعملة. منها استبدال لعملات قديمة بأخرى جديدة. كحالة تبديل فئة “500 ” و” 1000 ” ليرة. وأخرى طباعة فئات جديدة كطباعة فئة ” 2,000 ” ليرة عام 2017م. وحالياً طباعة ” 5,000 ” ليرة. فما آثار ودلالات طباعة العملة الجديدة في سوريا على الاقتصاد السوري الكلي والجزئي؟

 

ما علاقة فئات النقد المتداولة بالاقتصاد؟

يتناسب حجم فئات النقد المتداولة في أي اقتصاد مع مستوى الأسعار والتضخم. فالعلاقة طردية بين هذين المتغيرين. فكلما ارتفع التضخم ارتفع معه مستوى الأسعار. وبالتالي يضطر البنك المركزي لطباعة فئات أعلى من العملة للتناسب مع المتغيرات الجديدة. وهذا بالتحديد حال اقتصاد النظام السوري منذ عام 2011م.

 

بصفة عامة تعتبر طباعة عملة جديدة في سوريا من الأمور المتوقعة اقتصادياً. فكل المؤشرات السابقة تدل على أن حكومة النظام ستضطر لهذا الأمر. فعلى الرغم من النفي الحكومي المستمر لهذا الأمر إلا أنه كان واضحاً للمحللين الاقتصاديين. فالليرة السورية انخفضت عام 2020م من 900 ليرة للدولار الواحد لحدود 3,000 ليرة. كما أن التضخم بلغ في ذات العام 263,4%.

 

ما دلالة طباعة فئة جديدة وكبيرة من العملة؟

في الحقيقة طباعة فئة جديدة وكبيرة من العملة تدل على عدة مؤشرات اقتصادية وسياسية. فهي تدل على أن النظام لا يتوقع انفراجات اقتصادية في المدى المنظور. ولا يتوقع حلولاً سياسية تحسن واقعه. وهنا من الملاحظ أن تاريخ طباعة الفئة الجديدة يعود لعام 2019م. فهو تريث في طرحها لحين تبيان الظروف الدولية الاقتصادية والسياسية.

 

من جهة أخرى يمكن البناء سياسياً واقتصادياً على قضية طباعة الفئة الجديدة في سوريا. فهي دليل على أن المؤشرات لدى حكومة النظام تشي باستمرار ارتفاع التضخم وانخفاض الليرة. كما تشي باستمرار الضغوط الأمريكية. فقضية طباعة الفئة الجديدة تمثل ردة فعل أكثر من كونها قراراً ذاتياً لتحسين الواقع الاقتصادي.

 

ما تأثير قرار طرح الفئة الجديدة في سوريا؟

إن قرار طرح الفئة الجديدة يأتي في ظل تراجع الإنتاج في سوريا. فالنقود الزائدة بدون زيادة في الإنتاج ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وهو ما يتصل بشكل مباشر بالتضخم. فكما هو معروف يُقاس التضخم بارتفاع الأسعار بين فترتين متتابعتين قد تكون سنة أو شهراً.

 

إن توقيت طرح الفئة الجديدة يأتي في ظل الحديث عن فترة انتقالية وعمل اللجنة الدستورية وفي ظل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. وهذا التوقيت يشير إلى عدم اكتراث النظام بهذه الاستحقاقات. ويشير إلى أن النظام يتعامل مع هذه الاستحقاقات على أنها شكلية. ففي مثل هذه الظروف الاستثنائية يفضل تأجيل مثل هذه القرارات لحين التوصل لاتفاق مع الأطراف الأخرى في حال جدية النظام.

 

ما تأثير الفئة الجديدة على الاقتصاد الجزئي؟

فيما يتعلق بتأثير الفئة الجديدة على الاقتصاد الجزئي (اقتصاد الأفراد). فالبنك المركزي السوري نفى وجود أي تأثير سلبي على واقع اقتصاد الأفراد أو على مؤشرات التضخم وقيمة الليرة. وهذا الأمر غير صحيح. فمن المتوقع أن تتدنى قيمة الليرة لعدة أسباب منها أسباب اقتصادية وأخرى نفسية.

 

التأثير النفسي للفئة الجديدة يتمثل في تراجع ثقة الأفراد بالعملة الوطنية. وهذا ما لُوحظ عقب صدور قرار الطرح مباشرة. ففي خلال ساعات قليلة انخفضت قيمة الليرة من 2,900 ليرة للدولار الواحد إلى 2,960 ليرة. وهذا التأثير السريع سببه العامل النفسي. فالعامل النفسي سريع التأثير بينما العامل الاقتصادي متوسط إلى بطيء التأثير.

 

ما الأثر الاقتصادي لطرح الفئة الجديدة؟

الأثر الاقتصادي لطرح الفئة الجديدة يتمثل في زيادة معروض الليرة السورية في ظل تراجع معروض الدولار. وفي هذا الصدد صرح المركزي السوري بأن الفئة الجديدة لا تشكل زيادة في المعروض كونها ستقابل بسحب للأوراق النقدية المهترئة بما يساوي قيمة الطرح الجديد. وهذا الأمر غير قابل للتطبيق.

 

وفي الوقت نفسه يحتاج النظام لسحب قسم كبير من الفئات الحالية لتعويض الطرح الجديد. وهو ما يعتبر صعب التنفيذ بدرجة كبيرة. فمن المتوقع أن يتم سحب الفئات المعدنية الدنيا التي باتت عديمة القيمة وهي من فئات “5، 10، 25” ليرة. وهي بمجموعها لا تعادل إلا جزءاً بسيطاً من الكمية الواجب طرحها.

 

تتوزع الليرة السورية في كامل الجغرافيا السورية الخاضعة لسيطرة النظام والخارجة عنه. وهذا ما يجعل سحب الفئات الواجب استبدالها أمراً بالغ الصعوبة. إذ لا سيطرة مالية له في المناطق الخارج سيطرته. كما أن التعامل النقدي بين مناطق سيطرته والخارجة عنها في حدودها الدنيا. وبالتالي قد يحتاج الاستبدال لشهور طويلة وربما تصل للسنة.

 

وفيما يتعلق بعمليات سحب العملات الضئيلة من مناطق سيطرته فهي الأخرى تحتاج لوقت طويل نسبياً. فوسيلة السحب الرئيسة هي أموال الأفراد والشركات الداخلة إلى المصارف الحكومية والخاصة. وفي سوريا يتراجع دور المصارف نتيجة تراجع مستوى النشاط الاقتصادي. الأمر الذي سيزيد من المدة اللازمة للاستبدال.

 

إن صعوبات سحب العملات الصغيرة والمهترئة من السوق ستؤدي كما أسلفنا لطول مدة السحب. وفي الوقت الذي باشر فيه النظام طرح الفئة الجديدة. الأمر الذي سيزيد في الفترة القادمة كمية النقود في السوق إلى حدودها القصوى. الأمر الذي سيزيد من التبعات السلبية لقرار الطرح.

 

من المتوقع في الشهور القادمة أن تتراجع قيمة الليرة السورية أمام الدولار. نتيجةً لزيادة معروض الليرة في حال ثبات المتغيرات الخارجية الاقتصادية والسياسية. الأمر الذي سينعكس سلباً على مستوى دخل الأفراد وبالتالي زيادة معدلات الفقر والبطالة.

 

ما القانون الأهم في طباعة العملة؟

إن قضية طباعة وطرح عملة جديدة في أي اقتصاد ليست عملية عشوائية. فهي تخضع لقوانين اقتصادية واضحة وصارمة. وفي حال الإخلال بها من المتوقع تردّي المؤشرات الاقتصادية الكلية والجزئية. والقانون الأهم في طباعة العملة هو قانون “فيشر”. ينص هذا القانون على أن: كمية النقود المتداولة = (الحجم الكلي للمبادلات النقدية * متوسط الأسعار) / معدل دوران النقود.

 

إن معدل دوران النقود يُقصد به معدل التداول في الاقتصاد. ففي حال زيادة النشاط الاقتصادي تزداد سرعة تبادل النقود. وهذا ما يُقصد به معدل دوران النقود. وفيما يتعلق بالحجم الكلي للمبادلات فهو يشير إلى حجم النقود التي يتم تبادلها في فترة زمنية واحدة قد تكون شهراً أو سنة.

 

بالنسبة لقانون فيشر فإن زيادة كمية النقود تتم في عدة حالات. إما بزيادة حجم المبادلات النقدية. وهذا ما ليس حاصلاً في سوريا. أو بنقصان معدل دوران النقود أو بزيادة متوسط الأسعار. وهذان الأمران حاصلان في سوريا وهما مؤشران سلبيان على الاقتصاد السوري.

 

ما التفاصيل الفنية المرتبطة بطباعة الفئة الجديدة؟

أما بخصوص التفاصيل الفنية المرتبطة بطباعة الفئة الجديدة فمن غير المعلوم بدقة مكان الطباعة. فسابقاً وقبل عام 2011م كانت الطباعة تتم في مطابع البنك المركزي السويسري. وحالياً تتم في مطابع إحدى الدول الحليفة كروسيا أو إيران وربما الهند. فلا يُعلم بدقة مكان الطباعة. ومن المتوقع أن النظام سيغطي تكاليف الطباعة بمنح استثمارات جديدة للدولة الطابعة.

 

بالإضافة إلى ذلك فمن غير الواضح مصدر تمويل تكاليف طباعة العملة الجديدة. فقد تكون مقابل ديون على حكومة النظام. وهذا ما يزيد من أزمة الحكومة خارجياً. أو قد يتم الطبع مقابل منح استثمارات جديدة كما حصل في منح روسيا استثمار مناجم الفوسفات أو استثمار مرفأ طرطوس. وهو ما ينعكس سلباً على الدولة السورية.

 

كمية النقود

أما فيما يخص كمية النقود التي ستطرح من خلال الفئة الجديدة فلم يصرح مركزي النظام عن حجم الكتلة المطبوعة. ولكن يمكن تقديرها من خلال آلية الطرح. فوفقاً لتصريح المركزي فإن الطرح سيتم عن طريق رواتب وأجور الموظفين. ووفقاً لموازنة عام 2021م فكتلة الرواتب والأجور تبلغ 1,018 مليار ليرة سورية.

 

اعتماداً على بيانات كتلة الرواتب في الموازنة يمكن القول بأن قيمة الرواتب الشهرية تبلغ: 1,018 / 12 = 84,83 مليار ليرة سورية. فالحد الأدنى للمبلغ المطبوع من الفئة الجديدة يبلغ أكثر من 84 مليار ليرة. وهو رقم كبير بالنسبة لاقتصاد النظام. وكما أشرنا فهو يشكّل الحد الأدنى وقد يكون المبلغ عدة أضعاف هذا المبلغ.

 

قد يحفّز قرار طرح العملة الجديدة دعوات تعويم الليرة السورية. وهذا الأمر وعلى الرغم من تزايد الدعوات له من غير المتوقع أن يلجأ له النظام. فالنظام يرفض الاعتراف بسوق الدولار الموازي “السوق السوداء” مع أنه السعر الرسمي. ففي حال التعويم سيضطر للاعتراف بهذا السوق مما يدفعه لرفع الرواتب والتعويضات بما يتناسب مع السعر الحقيقي.

 

يمنح النظام موظفيه رواتبهم بالليرة السورية وهي لا تتعدى 25 دولاراً شهرياً للراتب الواحد. إلا أن النظام لا يعترف بهذه الأرقام لكونه لا يعترف بالسوق الموازي “السوداء”. فهو يصر على تسعير الدولار بـ1,250 ليرة بينما السعر الحقيقي يقترب من 3,000 ليرة. وهو ما يحقّق للنظام وفورات مالية كبيرة على حساب رواتب الموظفين. لذلك لا يمكن أن يتخلى عن هذا التوفير.

 

في نهاية المطاف قد لا تكون الفئة الجديدة هي الفئة الأكبر في مستقبل الاقتصاد السوري. ففي ظل استمرار الانهيار الاقتصادي وارتفاع التضخم وتدني قيمة الليرة من المتوقع في السنوات القادمة أن يلجأ النظام لطباعة وطرح فئات جديدة أكبر كفئة ” 10,000 ” ليرة. وهذا الأمر مرهون بمستقبل القضية السورية ومدى التوصل لحل سياسي ينعكس على المؤشرات الاقتصادية للنظام.

شَارِك المَقَال