شَارِك المَقَال

تعد زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا هي الأولى من نوعها منذ عام 2010م. وتكتسب هذه الزيارة أهميةً خاصةً لكونها تأتي في ظل انفتاح عربي متسارع على النظام السوري. وفي ظل سباق اقتصادي محموم بين مختلف القوى الإقليمية لضمان حصة في الاقتصاد السوري. خاصةً أن النفوذ الاقتصادي مدخل للنفوذ السياسي.

 

ما سبب توقيت الزيارة؟

كان من المخطط أن تتم الزيارة في منتصف العام الفائت. إلا أنها أجلت لمنتصف يناير من العام الحالي. ثم أجلت مرة أخرى لمنتصف العام الجاري. ثم تم الاتفاق لاحقاً على تقديمها إلى الموعد الحالي. وهذا التغيير المستمر في تاريخ الزيارة يشير إلى أن موعدها مرهون بظروف سورية لا بد من توافرها. وعلى ما يبدو أنها باتت متوفرة حالياً.

سبق الزيارة الأسبوع الفائت زيارة لوفد اقتصادي رفيع المستوى. يبدو أنه كان يمهد للزيارة ويرسم جدول أعمالها. فالشق الاقتصادي يعد الأساس فيها. فالجانب الإيراني يرغب أن تكون الزيارة تتويجاً لتعاون اقتصادي ورسماً دقيقاً لملامح العلاقة الاقتصادية بين الجانبين. خاصةً أن التبادل التجاري بينهما في حدوده الدنيا.

في الحقيقة يمكن توقع أهداف الزيارة من خلال مخرجات زيارة الوفد الاقتصادي السابقة. فهي ستركز على حصول إيران على استثمارات طويلة الأجل في سوريا. خاصةً في قطاعات النفط والطاقة والنقل واستثمار الموانئ. بالإضافة إلى تدشين خط ائتماني جديد.

بالطبع قضية الديون الإيرانية على حكومة النظام تعد على رأس جدول أعمال الزيارة. فخلال زيارة الوفد الاقتصادي لدمشق قال رئيس الوفد الإيراني وزير الطرق وبناء المدن: “إيران تشعر بظروف سوريا. لكن يوجد في إيران بعض القوانين يجب الإجابة عن أسئلتها”. في إشارة إلى ديون إيران على حكومة النظام.

في الواقع لا يوجد رقم دقيق لحجم ديون إيران على حكومة النظام فالحد الأدنى لها 20 مليار دولار والحد الأعلى 60 مليار. وفي ظل عجز النظام عن السداد تقترح إيران الحصول على أراض بدلاً عن الديون. ولم تتضح كيفية تنفيذ هذا المطلب. وما هي طبيعة الأراضي أو ما هي الصيغة القانونية لهذا الأمر.

 

الاقتصاد السوري بين إيران والدول العربية

في الحقيقة تأتي الزيارة في ظل تقارب عربي متسارع مع دمشق. هذا التقارب يسعى لإعادة سوريا إلى الحضن العربي. وهذه الإعادة لا تشمل الجانب السياسي فقط بل تطال الاقتصاد. فلا يمكن الحديث عن تحجيم الدور السياسي والعسكري لإيران في سوريا في ظل استحواذها على مقدرات الدولة السورية. وهو ما تدركه الدول العربية جيداً.

من جهة أخرى تخشى إيران من الحوافز الاقتصادية التي من الممكن أن تقدمها السعودية لحكومة الأسد. بحيث تكون الحوافز الاقتصادية والسياسية بوابة لتقليص الوجود الاقتصادي في سوريا. خاصةً أن النجاحات الاقتصادية لإيران في سوريا محدودة والتبادل الاقتصادي بينهما في حدوده الدنيا. فالزيارة تسعى لضمان استثمارات استراتيجية في قطاعات حيوية.

يمكن القول بأن هناك سباقاً سعودياً إيرانياً على ضمان ولاء الاقتصاد السوري. لكون الولاء الاقتصادي مدخلاً للولاء السياسي. ولهذا عندما طلبت السعودية من النظام إيقاف تهريب المخدرات إلى دول الخليج طالب النظام ببديل عن الإيرادات التي تحققها المخدرات. ومن المتوقع أن يكون البديل استثمارات سعودية في سوريا. وهو ما تخشاه طهران.

في النهاية تبدو سوريا بعد عقد ونيف من الصراع دولةً منهكة ممزقة. تتسارع القوى الإقليمية على الاستحواذ على مقدراتها. لذلك لا يمكن النظر لزيارة الرئيس الإيراني إلا من بوابة السعي لتعزيز النفوذ الإيراني. ولكن هذه المرة من بوابة الاقتصاد بعدما كان من البوابة السياسية والعسكرية.

شَارِك المَقَال