شَارِك المَقَال

تواجه أوروبا أسوأ أزمة جفاف منذ عقود طويلة. ويعزى هذا الأمر وفقاً لخبراء الطقس والمناخ إلى ظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري التي يعاني منها العالم أجمع. ووفقاً لمرصد الجفاف الأوروبي فإن أكثر من 60% من منطقة الاتحاد الأوروبي تأثرت بالتغيرات المناخية والجفاف. حيث أدت موجات الحرارة الشديدة إلى جفاف أنهار رئيسة في القارة. وهذه الأزمة لا تنحصر تداعياتها في الجانب المناخي بل تمتد وتترك آثارها بشكل مباشر على الاقتصاد الأوروبي الذي يواجه أساساً جملة تحديات قاسية. والسؤال هنا: ما الأبعاد والآثار الاقتصادية لأزمة الجفاف والتغير المناخي في أوروبا؟

 

ما أبعاد أزمة الجفاف في أوروبا؟

وفقاً للبيانات الرسمية الأوروبية فإن أزمة الجفاف طالت عدداً واسعاً من الدول الأوروبية. فوفقاً لمرصد الجفاف التابع للاتحاد الأوروبي فإن 45% من أراضي القارة عانت من الجفاف بحلول منتصف يوليو الماضي. بالإضافة إلى نسبة 15% بالفعل في حالة تأهب أحمر. مما دفع المفوضية الأوروبية للتحذير من وضع حرج في مناطق مُتعددة بالقارة العجوز. والأمر يزداد صعوبة مع موجات الحر المتكررة. ففي فرنسا تعرضت أكثر من 100 مدينة فرنسية لنقص مياه الشرب. مع فرض قيود على استهلاك المياه. وحظر الري في 93 مقاطعة. وتصنيف 62 مدينة على أنها “في أزمة”.

في إيطاليا انخفض معدل تدفق نهر بو أطول مجرى مائي في البلاد إلى عُشر الرقم المعتاد. وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ في خمس مناطق شمالية. مع تقنين استهلاك مياه الشرب. وفي شمال غرب أوروبا انخفضت المياه لمستويات قياسية في نهر الراين. والذي يعد وسيلة نقل رئيسة في ألمانيا. كما باتت الأشجار تُروى من حمامات السباحة لتوفير المياه. وأعلنت هولندا بدورها عن نقص حاد في المياه. وفي بلجيكا أفاد خبراء الأرصاد بأن شهر يوليو الأكثر جفافاً منذ عام 1885م. وعلى الرغم من الحظر المفروض على المزارعين بضخ المياه للمحاصيل فإن مستويات المياه الجوفية منخفضة بشكل استثنائي. مما تسبب في جفاف الأراضي والغابات.

 

ما تداعيات أزمة الجفاف في أوروبا؟

تسببت أزمة الجفاف في أوروبا في جملة تداعيات مختلفة على عدة جوانب. أولى التداعيات تفاقم الأزمة الغذائية. فوسط ارتفاع أسعار الغذاء عقب الغزو الروسي لأوكرانيا انخفض محصول الذرة بأكثر من 18% عن العام الماضي في فرنسا. ومع نقص علف الماشية نتيجة الجفاف قد يؤدي ذلك إلى نقص كبير في إنتاج الحليب والأجبان الفرنسية الشهيرة خلال فصلي الخريف والشتاء والمقبلين. كما انخفض إنتاج الأرز في وادي بو بإيطاليا الذي يمثل حوالي 40% من الإنتاج الزراعي بالبلاد. مع احتمالية فقدان 60% من المحصول عندما تجف حقول الأرز وتزداد نسب ملوحة التربة نتيجة الجفاف. وهو ما قد يسبّب دخول المزيد من مياه البحر إلى الدلتا.

ثاني التَّداعيات تفاقم أزمة الكهرباء. حيث اضطرت شركة الكهرباء الفرنسية  EDFإلى خفض إنتاج أحد مفاعلاتها النووية جنوب فرنسا بسبب ارتفاع درجات حرارة المياه في نهر جارون. وأصدرت عدة تحذيرات مماثلة للمفاعلات على طول نهر الرون. ثالث التداعيات نقص المياه. حيث بلغت احتياطيات المياه في إسبانيا أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 40%. مع استمرار معدلات الانخفاض بمعدل 1.5% أسبوعياً من خلال مزيج من زيادة الاستهلاك والتبخر.

رابع التداعيات انخفاض معدلات السياحة لبعض الدول مثل إسبانيا. فأدى انتعاش السياحة بعد وباء كورونا إلى زيادة الاستهلاك بنسبة تصل إلى 10% في مدن مثل برشلونة. ولكن مع أزمة المياه الحالية فمن المحتمل أن تُفرض قيود على أعداد السائحين. خاصة إذا لم تهطل الأمطار قريباً وهو أمر متوقع.

 

تراجع حركة النقل

خامس التداعيات تراجع حركة النقل. حيث أدى الجفاف الشديد إلى توقف عمليات الشحن. وتأخيرها لمدة وصلت أحياناً 132 يوماً. كما تعمل بعض السفن بقدرة 25% فقط لتجنب الجنوح. وهو ما يؤدي لارتفاع تكاليف الشحن. ويزيد من صعوبة الوضع أن تلك السفن تحمل الفحم المطلوب لخدمة محطات الطاقة في أوروبا. في مواجهة تراجع إمدادات الغاز من روسيا. سادس التداعيات نقص الثروة السمكية. حيث باتت القنوات والأنهار في حالة سيئة. كما منعت 13 بلدية في هولندا ملء أحواض السباحة. أو الأحواض المستخدمة للاستزراع السمكي.

سابع التداعيات انخفاض إنتاج الكهرباء من الطاقة الكهرومائية بنسبة 20%. كما تم تقييد المنشآت النووية التي يتم تبريدها باستخدام مياه الأنهار. وفي المملكة المتحدة تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على إنتاج الطاقة من المصادر الأحفورية والنووية. فالطاقة الكهرومائية تعد مصدراً مهماً للطاقة في أوروبا. حيث تحصل إيطاليا على حوالي 1/5 من طاقتها من الطاقة المائية. لكن هذا انخفض بنحو 40% في العام الماضي. كما انخفضت كمية الكهرباء بإسبانيا بنسبة 44%. وتواجه النرويج أزمة مماثلة. ولم تعد قادرة على تصدير الطاقة إلى المملكة المتحدة.

في الواقع إن أزمة التغير المناخي وتداعياتها من ارتفاع لدرجات الحرارة ونقص للمياه وأزمة جفاف وتصحر أصابت العديد من دول العالم. لكن ينحرف الأمر في أوروبا ليتخذ مساراً أكثر كارثية. مع تحالف تلك الأزمة مع الحرب الأوكرانية. وهو ما يلزم معه تحالف آخر بين جميع الدول في مواجهة التغير المناخي وتداعياته.

شَارِك المَقَال