عانى الاقتصاد العالمي في السنوات القليلة السابقة من تحديات حادة بسبب جائحة كورونا. وهو ما ينسحب بشكل مباشر على الاقتصاد التركي. إضافة لتحديات أخرى تتمثل بالتضخم وتراجع قيمة الليرة التركية وغيرها من التحديات. والسؤال هنا: ما التوقعات المستقبلية للاقتصاد التركي؟
خلال عام 2021م تمكّن من تحقيق معدلات جيدة في النمو الاقتصادي إضافة لتحسن في واقع الصادرات. وهذا التحسن رافقه تراجع في مؤشرات أخرى كقيمة الليرة التركية. في ظل هذا التباين في أداء المؤشرات الاقتصادية لا بد من تحديد واستقراء آفاق الاقتصاد التركي في المستقبل القريب.
بعد انتهاء الإغلاق الاقتصادي عام 2021م حقّق الاقتصاد التركي نمواً بنسبة 11% مقارنة بعام 2020م مدعوماً بالطلب الخارجي والمحلي. مع تحسن الميزان التجاري وانخفاض البطالة. كما حقّقت الصادرات زيادة بنسبة 32.8% فبلغت 225 مليار دولار. وارتفعت الواردات بنسبة 23.6% لتبلغ 271 مليار دولار.
وفي العام ذاته انخفض عجز التجارة الخارجية بنسبة 7.5% ليبلغ 46 مليار دولار. ليكون الاقتصاد التركي الأفضل أداءً بين دول مجموعة العشرين. وتراجعت نسبة البطالة 1.1% مقارنة بعام 2020م. ليقارب عدد العاطلين عن العمل 4 ملايين شخص تقريباً.
لكن في المقابل عانى الاقتصاد التركي من انخفاض قيمة الليرة والتضخم. فعلى الرغم من محافظة الليرة على استقرارها في الأشهر العشرة الأولى من عام 2021م. إلا أنها فقدت في شهري نوفمبر وديسمبر 45% من قيمتها لتنخفض إلى 16 ليرة للدولار الواحد. كما ارتفع التضخم في ديسمبر إلى 36% على أساس سنوي.
رغم مؤشرات 2021م الجيدة كانت توقعات النمو الاقتصادي في تركيا تعاني من عدم اليقين. مع توقعات بأن يكون النمو الاقتصادي مدفوعاً بزيادة الصادرات. مع التحسن المستمر والمتسارع في العلاقات التركية الخليجية. حيث أشارت التوقعات إلى أن صافي الصادرات سيصل لأكثر من ثلثي النمو في عام 2022م.
كما أشارت التوقعات لزيادة مساهمة قطاع الخدمات في النمو الاقتصادي بنسبة الثُّلثين على خلفية انتعاش قطاع السياحة. إلا أن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية سبّب الكثير من المشاكل لهذا القطاع. وزاد الأمر سوءاً مع استمرار انخفاض قيمة الليرة. وارتفاع معدلات التضخم مع تعطيل الإنتاج والإمداد.
على الرغم من وجود بعض المؤشرات الإيجابية إلا أن قيمة الليرة ما تزال منخفضة نسبياً مع ارتفاع أسعار السلع بشكل حاد في الشهور الأولى من هذا العام. كما أصبحت التوقعات أقل إيجابية مع غزو روسيا لأوكرانيا. مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وأسعار الغاز والنفط. مما يؤثر بشكل مستمر على الاستهلاك العام والخاص وعلى معدلات التضخم.
وفي ظل هذه المؤشرات يميل الميزان التجاري إلى الاتجاه الهبوطي وسط ارتفاع التضخم والضغط المستمر على العملة. بالإضافة إلى السياسة النقدية غير التقليدية بخفض أسعار الفائدة. بالإضافة إلى عبء ديون القطاع الخاص المقوّمة باليورو والدولار الأمريكي. كما أن تقلبات العملة تؤثر بشكل سلبي في معنويات المستهلكين.
من المرجّح أن يتوسّع الاقتصاد التركي بوتيرة أبطأ هذا العام بعد نمو اقتصادي قوي في 2021م. وذلك بسبب تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية وتراجع الثقة النسبية باستقرار الليرة التركية. وارتفاع التضخم إلى 70% في أبريل الفائت. وهو ما يضع الاقتصاد التركي أمام جملة تحديات قاسية.
في المقابل يُتوقع أن تعود الظروف الاقتصادية إلى طبيعتها في حال هدوء الصراع في أوكرانيا. فهذا من شأنه أن يدعم الطلب المحلي والأجنبي. كما أن الثقة في الأعمال التجارية لا تزال قوية وتبشر بالخير بالنسبة لرؤوس الأموال الأجنبية. مع توقعات بزيادة إجمالي الناتج المحلي بنسبة 3.6% في عام 2023م.
أما فيما يخص معدلات النمو الاقتصادي وعلى الرغم من التوقعات بانخفاضه إلى 2.7% هذا العام بدلاً من 11% في 2021م. إلا أنه يتوقع ارتفاعه في 2023م إلى نسبة 3%. مدفوعاً بالنمو القوي في الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي المُتعطش لمنتجات بديلة عن السلع الروسية.
بالإضافة إلى احتمالات نمو قطاع السياحة بعد هدوء الصراع العسكري بأوكرانيا. ومع تحسين القدرة التنافسية العالمية لتركيا فسوف يرتفع الاستثمار الأجنبي المباشر ويرتفع لمستويات يمكن مقارنتها مع الأسواق الناشئة الكبيرة. ومع تعديل حدود الكربون بالمصانع التركية فسوف تزيد الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي. ومن هنا يُتوقع لتركيا تحسّن كبير على المستوى الاقتصادي.
في الوقت نفسه تُشكل المصالحة السياسية التركية الخليجية دفعاً قوياً للاقتصاد التركيّ. نتيجة تدفق الإنتاج التركي إلى دول الخليج وتدفق الاستثمارات الخليجية إلى تركيا. كما أنّ تخفيض سعر الفائدة التركي من شأنه تقليل تكلفة الإنتاج والاقتراض. وهو ما يشكل دفعاً للاقتصاد التركي.
في النهاية يبدو أن الاقتصاد التركي أمام جملة من الحوافز والعقبات. بعضها داخلي والآخر خارجي. ويتحدد مستقبله المرحلي نتيجة تفاعل هذه الحوافز والتحديات. وإن كانت المؤشرات تشير إلى قدرة الحوافز الداخلية والخارجية على دعم نُموّه.